في شهر ديسمبر من عام 2010، أصبحت رئيساً لجمهورية غينيا عقب أول انتخابات مفتوحة وديمقراطية حقيقية في البلاد. وآنذاك قلت إنني ورثت بلداً كاملاً وليس دولة، فكان اقتصادنا مخرباً، وشعبنا من أفقر شعوب العالم على الإطلاق، ونظامنا السياسي ضعيفاً بسبب عقود من الفساد والاستبداد وسوء الحكم والإدارة.

Ad

ولم تكن تلك الحال مبررة على الإطلاق، فغينيا تمتلك ثورة معدنية هائلة، وأكبر احتياطيات على مستوى العالم من خام البوكسايت، وبعضاً من أعلى ركاز خام الحديد درجة.

ولكي يعود النفع على جميع أبناء شعبنا، وليس فقط على قِلة من شركات التعدين الدولية والساسة المجردين من المبادئ، فإن الأمر يتطلب التصدي للفساد الذي يضرب بجذوره عميقاً في السياسة وعالم المال والأعمال في غينيا، ولكن اجتثاث مثل هذا الفساد قد يكون بطيئاً إلى حد مؤلم، وهي عملية خطيرة غالباً. وفي نهاية المطاف، فإن أصحاب المصالح الخاصة لا يرحبون بالتحديات.

ومقارنة بالدول المتقدمة، فإن القوى الشريرة تلحق أشد الضرر ببلد مثل غينيا، فالافتقار إلى الشفافية، في ظل الفساد الاقتصادي المستوطن، لا يعني عدم سداد الضرائب وانعدام المنافسة فحسب؛ بل يعني أيضاً تآكل العملية السياسية وتقويض ديمقراطيتنا الناشئة، هذا فضلاً عن عرقلة التغيير وفتح الباب للإحباط وذلك النوع من التوتر السياسي والعنف المؤسف- بما في ذلك وفيات مأساوية- الذي أثر في بلادنا أخيراً.

ولهذا السبب أنضم إلى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في مؤتمر مجموعة الثماني للتجارة والشفافية والضرائب الذي تستضيفه مدينة لندن، والواقع أن أجندة غينيا الحالية تعكس أجندة مجموعة الثماني، وكلانا يريد العمل مع الشركات التي تعمل وفقاً للقواعد، وتحترم مبدأ الشفافية، وتدفع الضرائب المستحقة عليها. ولكن صفقات الماضي المشكوك في نزاهتها- التي تنطوي على جرائم غالباً- من غير الممكن أن يكون لها مستقبل. إن شعبنا شاب، 70% من سكان البلاد تحت سن 25 سنة، وهم متلهفون إلى التغيير ولا مصلحة لهم في إدامة ثقافة الفساد القديمة، ومن المؤكد أن مستقبل الشباب أملنا ومسؤوليتنا.

وسيُبنى المستقبل على أساس شراكات سليمة بين الحكومة والقطاع الخاص، جنباً إلى جنب مع الالتزام بتعزيز الديمقراطية والشفافية، والتركيز على استخدام ثروتنا من الموارد لتحقيق مستويات معيشة أعلى لشعبنا.

والواقع أننا أحرزنا بالفعل تقدماً كبيراً، فقد وقعت غينيا على مبادرة شفافية الصناعات الاستخراجية، مع المملكة المتحدة، وفرنسا، وأستراليا، والنرويج، والولايات المتحدة. ونحن نعمل على تطوير شراكات جديدة طويلة الأجل وقائمة على المساواة مع شركات التعدين العالمية المسؤولة التي تضمن التزاماً طويل الأجل بخلق فرص العمل وتحقيق فوائد مستدامة وطويلة الأجل لكلا الجانبين.

هذا فضلاً عن إصرارنا على مراجعة مشروعية عقود التعدين التي وقعتها الأنظمة غير الديمقراطية والعسكرية السابقة في غينيا، وقد نشرنا كل هذه العقود على شبكة الإنترنت لكي يطلع عليها العالم. ونحن الآن في احتياج إلى الدعم من الدول المتقدمة في بناء مناخ أعمال عالمي يسمح بازدهار هؤلاء الذين يلعبون وفقاً للقواعد ويستبعد أولئك الذين لا يبالون بها. والواقع أن عدداً كبيراً من المراكز المالية في العالم تعمل على تمكين النهابين الذين يعتمدون على شركات في الخارج لإخفاء هوياتهم الحقيقية، وتدوير أموالهم في مناطق غريبة، في حين يستخدمون شركات حقوقية مرموقة ومحاسبين ومستشارين ماليين، وشركات علاقات عامة لإضفاء قشرة من الاحترام على سلوكهم المدمر.

وقد خلق هذا مستنبتاً ينمو فيه الفساد ويزدهر، ويفرض تهديداً أخلاقياً على إفريقيا، وستعمل غينيا بشكل وثيق مع مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي، ومكتب مكافحة جرائم الاحتيال في المملكة المتحدة، وغير ذلك من هيئات إنفاذ القانون، لفضح واستئصال الإجرام الذي يهدد نزاهة الأسواق العالمية والديمقراطية الإفريقية على حد سواء.

إن غينيا تقدر المساعدات التي تتلقاها من العالم المتقدم، وأتمنى أن يتفهم المانحون مقصدي عندما أقول إننا لا نريد مساعداتهم، برغم حاجتنا إليها حالياً، فنحن نرى أجندتنا في مكافحة الفساد داعمة للسوق والتنمية في نفس الوقت، ونحن لا نريد أن نعيش معتمدين على سخاء وكرم الآخرين في حين تستطيع مواردنا أن تمنحنا الازدهار والصحة والقوة.

وعندما ألتقي كاميرون، فلن أطلب منه أن يعطينا من أموال دافعي الضرائب البريطانيين، بل سأطلب منه بدلاً من ذلك أن يستمر في إظهار الزعامة العالمية للشفافية وحسن إدارة الأعمال، وهو ما من شأنه أن يعود بالنفع، ليس فقط على بلدان مثل غينيا، بل أيضاً على بريطانيا والعالم أجمع.

* ألفا كوندي رئيس غينيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»