كثر الحديث وازدادت التكهنات، بعد معركة "الكيماوي"، التي لم تصل بعد إلى حلقاتها الخطيرة، حول احتمال أن يكون خيار بشار الأسد، الذي يبدو أنه سيخسر كل الخيارات، إقامة الدولة المذهبية "العلوية" التي كانت طُرحت في مرحلة الاستعمار الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى على الجزء الساحلي من سورية الذي يشمل مدن اللاذقية وجبلة وطرطوس وبانياس، إضافة إلى مدينة القرداحة، التي كانت قبل بدايات سبعينيات القرن الماضي مجرد بلدة صغيرة، وأصبحت بعد كل هذه الأعوام على ما هي عليه الآن.

Ad

لن تمر جريمة استخدام الأسلحة الكيماوية مرور الكرام، والواضح أنَّ الأميركيين، كما قال باراك أوباما، سيلجأون حتماً إلى العملية العسكرية التي غدت محسومة رغم إحالة قرارها إلى الكونغرس الأميركي، ليس لمعاقبة نظام بشار الأسد فحسب، بل أيضاً، وقبل ذلك لإفهام الإيرانيين وحزب الله وكوريا الشمالية أن عواقب التلاعب بـ"المحرمات" وخيمة، وأن الأمن الدولي لن يُترك لأمزجة المراهَقات والألاعيب الصبيانية السياسية.

ولأن الأميركيين ومن معهم أرادوا الضربة العسكرية المرتقبة، التي من الواضح أن الكونغرس الأميركي لن يعوقها وأنه لن يفعل ما فعله مجلس العموم البريطاني، عمليةً تأديبيةً، ليس لبشار الأسد فحسب، بل للولي الفقيه الإيراني علي خامنئي ولرئيس كوريا الشمالية وزعيم "حزب الله" حسن نصر الله أيضاً. وهذه الضربة لن تكون نقطة النهاية إطلاقاً، وإنما نقطة البداية، والبداية هي فتح ملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وفتح ملف الإرهاب من أوله إلى آخره، وبالطبع استكمال قصة امتلاك الأسلحة الكيماوية واستخدامها، وهذه قصة طويلة ستمر في محطات خطيرة كثيرة.

ستتم هذه الضربة العسكرية التي غدت متوقعة بعد التاسع من هذا الشهر وستكون لها انعكاسات وتجليات كثيرة، من بينها أن بشار الأسد لن يبقى في دمشق وأن اللون الطائفي من جيشه سوف ينتقل إلى جبال "النصيريين"، وإلى الساحل السوري إن أمكن، وهذا معناه أن الدولة العلوية التي طال الحديث عنها قد تصبح خياراً مطروحاً، لكنه خيارٌ لن يكتب له النجاح حتى وإنْ ألقت طهران بكل ثقلها العسكري والسياسي لتحقيقه. من المؤكد أن كثيرين من رموز الطائفة النصيرية (العلوية)، التي استطاع حافظ الأسد بعد انقلابه عام 1970 أن يختطفها من أيدي كبار عائلاتها القيادية التاريخية، سيقفون ضد هذه المؤامرة، كما وقفوا ضد محاولات انفصالية سابقة، كما أن تركيا التي تعاني هذا الصداع المذهبي لا يمكن أن تقبل بخطوة كهذه، حتى وإن تطلَّب الأمر القيام بعشر حروب إقليمية متتالية.

ستحاول إيران بكل جهدها، إنْ هي فقدت هيمنتها على سورية في حال فقدان بشار الأسد حكمه في دمشق، تشكيل جناح الهلال الطائفي الذي تسعى إليه بإقامة دويلة علوية-شيعية ذات امتداد سوري ولبناني، وذات بُعدٍ عراقي، وهذه مسألة يبدو أنها غدت محسومة، وإلا فلماذا يرعى الولي الفقيه هذه الحرب المذهبية المحتدمة في العراق؟ ولماذا كل هذا التواجد لفيلق القدس بقيادة الجنرال قاسم سليماني في هذه المنطقة؟ ولماذا تم إقحام العامل المذهبي في الأزمة السورية التي لم تتخذ هذا الطابع الطائفي البغيض إلا بعد التدخل الإيراني السافر في الشؤون الداخلية لهذا البلد العربي؟!

إن من غير الممكن أن يبقى نظام بشار الأسد قائماً بعد كل هذه التطورات الأخيرة والمتوقعة، ولهذا يجب أن يضع العرب الذين يوجعهم هذا الوجع في اعتبارهم أن هناك معركة طويلة سيكون عنوانها منع الإيرانيين من أن يستكملوا هلالهم المذهبي بإنشاء دولة علوية-شيعية بامتداد سوري-لبناني، وسيعني استكمال هذا الهلال أن الفرس سيحققون أول ثأر لهم، رداً على معركة القادسية، وسيواصلون الضغط لإلحاق هزيمة كبرى بالأمة العربية التي يعتقدون أنها عدوهم التاريخي، وأنها ستبقى عدوهم التاريخي إلى يوم القيامة.