بدأت المخاوف حول تقليص برامج التخفيف الكمي مع تصريحات بن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفدرالي، في 19 يونيو الماضي عندما أشار إلى إمكانية تقليص عمليات شراء السندات نظراً لزيادة التعافي في الاقتصاد الأميركي.

Ad

أظهرت تحليلات مجموعة QNB أن التقليص التدريجي في برامج التخفيف الكمي في الولايات المتحدة يمكن أن يعرقل النمو الاقتصادي العالمي. فقد أدت المخاوف حول تقليص برامج التخفيف الكمي إلى تداعيات كبيرة على أسعار صرف العملات وأسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة الماضية. 

وتراجعت قيمة عملات الدول الناشئة في حين ارتفعت أسعار الفائدة بقوة نتيجة لهروب رؤوس الأموال من أسواق الدول الناشئة. وحتى قبل أن يبدأ الاحتياطي الفدرالي الأميركي في تقليص عمليات شراء السندات اضطرت المصارف المركزية في الدول الناشئة إلى تشديد سياساتها النقدية، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع فرص النمو الاقتصادي. ومن المرجح أن يؤدي تقليص برامج التخفيف الكمي إلى مزيد من التراجع في قيمة عملات الدول الناشئة. وترى مجموعة QNB أن تشديد السياسات النقدية بشكل عام سيؤدي إلى تراجع النشاط الاقتصادي في الدول الناشئة، الأمر الذي سيعوق النمو الاقتصادي العالمي خلال الأشهر القليلة المقبلة.

 

رد فعل الأسواق

 

بدأت المخاوف حول تقليص برامج التخفيف الكمي مع تصريحات بن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفدرالي، في 19 يونيو عندما أشار إلى إمكانية تقليص عمليات شراء السندات نظراً لزيادة التعافي في الاقتصاد الأميركي. وكان رد فعل الأسواق على هذه التصريحات قوياً، حيث تراجع مؤشر  ستاندرد آند بورز 500 (SandP 500) بنسبة %4.8 خلال الأيام الخمسة التالية لهذه التصريحات. كما ارتفع الدولار مقابل اليورو بنسبة %4.6 خلال الأسابيع الثلاثة التالية وارتفع العائد على السندات الأميركية المستحقة بعد 10 سنوات من %2.19 إلى أعلى مستوى عند %2.74 في 5 يوليو.

انتقلت هذه التداعيات إلى الأسواق الناشئة حيث ساهمت برامج التخفيف الكمي في زيادة السيولة في أسواق المال العالمية واتجهت هذه السيولة إلى الأسواق الناشئة بحثاً عن عائدات أعلى. ساعد هذا التوجه الأسواق الناشئة على تخفيض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها وبالتالي توفير بيئة لتحقيق معدلات نمو اقتصادي أعلى من الدول المتقدمة. لذلك دفعت المخاوف من تقليص برامج التخفيف الكمي المستثمرين إلى سحب رؤوس أموالهم من الأسواق الناشئة للاستفادة من ارتفاع العائد على السندات الأميركية. ونتج عن هذا التحول تراجع مؤشر  ام اس سي أي للأسواق الناشئة بنسبة %7.4 خلال خمسة أيام وانخفاض سعر صرف عملات الدول الناشئة، حيث فقد مؤشر  جي بي مورغان لعملات الدول الناشئة %2.5 في خمسة أيام، في حين ارتفع العائد على السندات السيادية. وتمثل التصريحات الخاصة باحتمال تقليص برامج التخفيف الكمي نقطة تحول أساسية في وضع السيولة الذي ساهم في السابق في تمويل النمو الاقتصادي في الدول الناشئة.

وتعافت أسعار صرف عملات الدول الناشئة خلال شهر يوليو نتيجة لقيام المصارف المركزية بتشديد السياسات النقدية. فقد دفع الهبوط المفاجئ في سعر صرف عملات الدول الناشئة عدد من المصارف المركزية إلى زيادة سعر الفائدة لدعم عملاتها. وتم رفع سعر الفائدة في كل من البرازيل والهند واندونيسيا وتركيا. ومن المحتمل زيادة أسعار الفائدة مرة أخرى لتحقيق الاستقرار في أسواق العملات. ومن المرجح أن يؤدي تراجع السيولة في الأسواق الناشئة وزيادة أسعار الفائدة طويلة وقصيرة الأجل، إلى تداعيات سلبية على النمو الاقتصادي نتيجة لانخفاض السيولة المتاحة للاستثمار وزيادة تكلفة الاقتراض.

قام الاحتياطي الفدرالي خلال شهر يوليو ببعض التراجع عن التصريحات السابقة لتخفيف المخاوف حول تقليص برامج التخفيف الكمي، حيث أكد أعضاء لجنة السياسات النقدية في الاحتياطي الفدرالي أكثر من مرة بأن تقليص برامج التخفيف الكمي سيتم فقط عندما يبلغ التعافي الاقتصادية القدر الكافي من القوة. وقال برنانكي في 11 يوليو إن السياسة النقدية ستظل مرنة في المستقبل المنظور، كما صرح في 17 يوليو بأن برامج التخفيف الكمي ستعتمد على البيانات الاقتصادية وليس في إطار خطة موضوعة سابقا. ساهمت هذه التصريحات في استقرار العائد على السندات الأميركية المستحقة بعد 10 سنوات حول معدلاتها الحالية عند %2.61، وهو مستوى أدنى قليلاً من أعلى المستويات التي حققها في 5 يوليو. وساهم تراجع العائد على السندات الأميركية إلى تقليص الفجوة في العائد مع السندات الأوروبية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف اليورو مقابل الدولار. كما أن اليورو تلقى دعما إضافيا نتيجة لبيانات القطاع الصناعي التي جاءت أفضل من التوقعات.

تتوقع الأسواق أن يبدأ الاحتياطي الفدرالي عملية التقليص التدريجي في برامج التخفيف الكمي بتخفيض عمليات شراء السندات من 85 مليار دولار شهرياً إلى 65 مليار دولار شهرياً عقب اجتماع لجنة السياسات النقدية في 17 و18 سبتمبر. ومثل هذا الإجراء سيؤدي إلى ارتفاع العائد على السندات الأميركية طويلة الأجل، مما سيزيد من تكلفة الاقتراض وإعاقة النمو في الاقتصاد العالمي. كما أن تطبيق التقليص التدريجي في برامج التخفيف الكمي سيؤدي إلى هروب المزيد من رؤوس الأموال من أسواق الدول الناشئة وتراجع عملاتها وبالتالي قيام المصارف المركزي بزيادة سعر الفائدة مما يضغط على النمو الاقتصادي. وكانت الأسواق الناشئة هي المحرك الأساسي للنمو الاقتصادي العالمي في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لكن مع تدهور توقعات النمو الاقتصادي في الأسواق الناشئة والتوقعات باستمرار حالة التوقف في النمو الاقتصادي في الدول المتقدمة، فإن مجموعة QNB ترجح أن يتم تخفيض التوقعات بشأن النمو الاقتصادي العالمي.