هناك تقصير كبير، لا يمكن تبريره، بالنسبة لضرورة التوجه نحو الرأي العام العالمي لإطلاعه على مدى حجم المأساة المستمرة في سورية على مدى عامين وأكثر ولتفعيله تحت ضغط وجع الضمائر للضغط على الأنظمة الأوروبية وعلى أنظمة دول أميركا اللاتينية، وأيضاً على الولايات المتحدة، البيت الأبيض والكونغرس وباقي الهيئات والمواقع الرسمية الفاعلة، ودفعها إلى التخلي عن ترددها في اتخاذ موقف حاسم وحازم ضد نظام بشار الأسد المستمر في ارتكاب مجازر يومية ضد الشعب السوري منذ بداية هذه الأحداث التي بدأت بشرارة "درعا" في عام 2011 وبلغت حصيلتها في تقديرات شبه مؤكدة أكثر من مئة ألف قتيل، من بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء.

Ad

كان يجب التوجه إلى الرأي العام العالمي منذ جريمة "تخليع" أظافر أطفال درعا، وكان يجب إطلاع شعوب الدول الفاعلة على بشاعة المذبحة المستمر نظام بشار الأسد في ارتكابها على مدى عامين وأكثر، فالمعروف أن أنظمة الدول الغربية الديمقراطية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تخشى مظاهرات واعتصامات شوارع مدنها وساحاتها العامة، أكثر كثيراً مما تخشى الإرغاء والإزباد العربي عن بعد، وأكثر مما تخشى بيانات الأحزاب والنقابات والهيئات العربية الشعبية.

المعروف أن هناك في ألمانيا جالية عربية وإسلامية عددها بالملايين وهي قادرة على التأثير على الشعب الألماني وقادرة على تغيير موقف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تجاه هذه المأساة، ولعل أسوأ ما في هذا الموقف أنه يقترب من موقف روسيا الاتحادية التي تتحمل مسؤولية كل هذه الأرواح التي أُزهقت في هذا البلد العربي، وكل هذا الدمار الذي عمَّ مدنها وقراها، والتي تتحمل أيضاً مسؤولية تاريخية سيأتي اليوم الذي ستتم فيها محاسبتها على هذه المسؤولية التي ستبقى تلتصق بها إلى أبد الآبدين.

الكل يعرف أن مظاهرات الشوارع والجامعات والساحات العامة الأميركية هي التي هزمت جنرالات وجيوش الولايات المتحدة في فيتنام وليست الأدغال الفيتنامية وليست أيضاً شجاعة أبطال التحرير في هذا البلد العظيم، وكذلك كان لتظاهرات وجع الضمائر في فرنسا دور مساند للثورة الجزائرية الباسلة وإجبار الجنرال شارل ديغول على ذلك الموقف البطولي الذي اتخذه والذي كاد يُفْقِده حياته على أيدي جنرالات الجيش الفرنسي السرِّي المتشددين الذين أصروا على البقاء في الجزائر على اعتبار أنها ولاية فرنسية.

وحتى بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، فإن هذا التعاطف الدولي، تعاطف الرأي العام، هو الذي جعل كل هذا العدد من دول الكرة الأرضية يصوِّت في الجمعية العمومية للأمم المتحدة بالاعتراف بفلسطين عضواً مراقباً في هذه الهيئة الدولية، وكل هذا رغم الموقف المخزي الذي اتخذته أميركا ورغم تهديد ووعيد إسرائيل وضغطها الإعلامي والسياسي على هذه الدول ورغم استعانتها بـ"الهولوكوست" الذي تعرض له اليهود في ألمانيا في المرحلة "النازية".

إنه تقصير ما بعده تقصير، وإنه لا يجوز لا عربياً ولا إسلامياً... وأيضاً ولا إنسانياً أن تبقى هذه المسألة "جبهة منسية" وأن تنشغل المعارضة السورية، وبخاصة معارضة الخارج بمعارك وهمية وتنْسى أن دورها الأساسي والرئيسي ليس انتظار فرصة الحصول على موقع في قيادة المجلس الوطني، ولا على وزارة وهمية في "الائتلاف" وإنما خوض معركة إيصال وجع الضمائر بالنسبة لما يجري في سورية، من مذابح ومن تدمير وخراب وإزهاق لأرواح الأطفال الأبرياء ومن عمليات تهجير ممنهج ومن إلقاءٍ للسوريين في مخيمات البؤس في الدول المجاورة، إلى الرأي العام في الدول الديمقراطية التي تخضع فيها قرارات حكوماتها لوجهات ورغبات مواطنيها، ولهذا فإنه لابد من التحرُّك، وإنْ بصورة متأخرة، ولابد من المبادرة وبسرعة قبل فوات الأوان لتشكيل هيئة فعلية وحقيقية لتعبئة الجاليات العربية والإسلامية في الولايات المتحدة وفي دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً في أميركا اللاتينية وتوجيهها لتخلق رأياً عاماً في هذه الدول للضغط على حكوماتها ودفعها دفعاً إلى التخلي عن مواقفها المائعة والمترددة إزاء أهم مآسي الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين واتخاذ موقف أكثر جدية للضرب بيدٍ من حديد على أيدي أصحاب هذا النظام القاتل الجاثم على صدور السوريين منذ نحو أربعين سنة وأكثر.