لم تجب كتب القذافي عن شخصيته، وتشير الوقائع إلى أن الكتب لا تدل على شخصية من يقتنيها وسلوكيته، لكنها من دون شك وبعد التمحيص تدل على جزء من شخصيته. كان القذافي مثلاً أشبه برجل عديم الثقافة على رغم أنه كان يدعي أنه يكتب القصص وينشرها وتكتب عنها المقالات الغرائبية من هنا وهناك. كانت مقالات مدفوعة الأجر من شلل ثقافية زبائنية.

Ad

 لم تجب مقتنيات القذافي في مكتبته عن شخصيته، لكنها من دون شك تجيب عن جزء منها، فهي تدل على أنه لم يكن يعتني بالثقافة إطلاقاً بل كان يعتني بالكتب مثل مواطن لا يقرأ ويؤمن بالسحر والشعوذة والمؤامرة اليهودية. كان المسدس الذهبي الذي وجد مع القذافي في لحظة القبض عليه أكثر دلالة على شخصيته.

نقول هذا الكلام بمناسبة صدور كتاب وضعه صحافي تشيلي يكشف أن الدكتاتور السابق أوغستو بينوشيه الذي اشتهر بإحراق الكتب وزج الكتاب في السجون والمنافي، جمع سراً مكتبة تضم أكثر من 50 ألف كتاب. ويحمل الكتاب الذي أصدره الصحافي خوان كريستوبال بينا اسم {الحياة الأدبية السرية لأوغستو بينوشيه}، وهو يروي كيف عكف الطاغية على جمع كتبه.

وتقتصر المكتبة على مصنفات في التاريخ والجغرافيا وفي الفكر الماركسي الذي كان بينوشيه يسعى إلى سحقه بأشد الوسائل القمعية في عهده بين عامي 1973 و1990.

يرى الكاتب أن هذه المجموعة الضخمة من الكتب {كانت أشبه بمسرحية يعيشها بينوشيه ليوحي لنفسه أنه مثقف ومهم، لأنه كان يعرف في قرارة نفسه أنه يعاني خواء فكرياً}. ومن بين الكتب الأكثر قيمة، «السيرة التاريخية لمملكة تشيلي» بقلم الأب اليسوعي الونسو دي اوفالي في القرن السابع عشر، كذلك نسختان تعود إحداهما إلى عام 1733 والثانية إلى عام 1776 من قصيدة «لا اركوانا» التي تروي احتلال اسبانيا لتشيلي، للكاتب نفسه، وهي تعد ملحمة مملكة تشيلي وإحدى أهم كتب عصر النهضة الإسباني.

المثل الأعلى

تضم المكتبة أيضاً موسوعات علمية، وكتب أطلس ومعاجم، إضافة إلى مجموعة من الكتب باللغة الفرنسية حول الماركسية ونابليون بونابارت الذي كان المثل الأعلى لبينوشيه. ويقول كريستوبال إن الأخير كان يجمع الكتب لدافع نفسي وليس لقراءتها، ولم يكن يقبل مشاركتها مع أحد أو السماح لأي كان بالاقتراب منها. ويفسر الهوس بعقدة نقص، بحسب ما يرى الكاتب.

وثمة شبه بين علاقة بينوشه بالكتب وعلاقة هتلر بها أيضاً، فهتلر الذي يعرف بحرقه الكتب أكثر من اعتزازه بها، كان أيضاً يقتني الكتب بحسب كتاب {مكتبة هتلر الخاصة} للكاتب الأميركي تيموثي رايباك وهذا ما تدلّ عليه مكتبته الخاصة التي اشتملت على نحو 16 ألف كتاب، يتعقبها تيموثي رايباك، الذي عثر على أول كتاب اشتراه هتلر في عام 1915 عندما كان مجرّد عريف في الجيش الألماني (غزا شمال فرنسا آنذاك). صفحات الكتاب ملطخة قليلاً بالوحل، لأن هتلر كان يقرأه داخل الخندق.

عند سقوط برلين في عام 1945 اكتشف الحلفاء أن مكتبة الفوهرر تحتوي على أكثر من 16000 كتاب، من بينها مؤلفات شكسبير ("هاملت} وغيرها) و}دون كيشوت} لسرفانتس و12 سيرة تؤرّخ حياة فريدريك الأعظم وكتاب لسيرة نابليون، ومئات الكتب التي تتناول نظريّة تفوّق الآريين. اكتسبت المكتبة أهمية واسعة لدرجة أن {النيويوركر} قدمت عنها ريبورتاجاً مصوراً عام 1935.

يؤكد رايباك أن هتلر كان مفتوناً برواية كارل ماي {مغامرات الهندي الماكر وِينُّوتُو} التي فتنت تلامذة ألمانيا كلهم. وقد نصح جنرالاته جميعهم في الجيش الألماني بقراءتها لأنه كان يعتبر البطل الصغير وِينُّوتُو خبيراً في الخطط التكتيكية.