من رؤية أحدهم حصان الأمام علي في سهول الخيام في لبنان خلال «حرب تموز»، إلى مقارنة بعضهم الحرب على جبهة القصير السورية بموقعة كربلاء التاريخية، وصولاً إلى الحديث عن قرب ظهور المهدي المنتظر في الحرب السورية، روايات كثيرة يسردها بعض اللبنانين، وتستعمل في الوجدان الشعبي الشيعي لتحفيز الشباب والمقاتلين للذهاب إلى ما يسميه «حزب الله» اللبناني «الواجب الجهادي». وخلال إطلالته التلفزيونية في برنامج «انترفيو» على قناة «المستقبل»، حاول الشيخ صبحي الطفيلي تبيان الرواية الأصلية للمهدي المنتظر للتخفيف من استغلالها في الحرب السورية.
لا شك في أن المرويات حول قرب ظهور المهدي المنتظر من الأمور البديهية في الوجدان الشعبي، لكن في المدة الأخيرة حدث تطور غرائبي في هذا السياق، مصدره ليس جنوب لبنان أو الضاحية الجنوبية لبيروت، بل إيران. فعشية الانتخابات الرئاسية الإيرانية المصيرية بالنسبة إلى الأجنحة المتصارعة على السلطة، أثارت تصريحات وزير الاتصالات وتقنية المعلومات اللواء محمد حسن نامي، الاستغراب حين وعد باستخدام شبكة الإنترنت لبث صوت {المهدي المنتظر} وصورته وكتبت الصحافية الإيرانية نيوشا صارمي، على موقع {روز أونلاين} تقول: {بلغت الضجة التي أثارتها هذه التصريحات درجة أرغمت الوزارة على إصدار بيان لتقديم إيضاحات حول هذه التصريحات، إلا أنها عمدت إلى التبرير الديني والعلمي بهذا الخصوص، حيث قيل إن عملية البث ستتم باستخدام تقنية حديثة تعد أكثر تطوراً من تقنية الألياف الضوئية}.بدت رواية الجنرال الإيراني وكأنها «فانتازم» لرواية تمزج الخيال العلمي بالمتخيل الديني والروائي، أو لنقل إن الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز رائد «الواقعية السحرية» لم يفكر بهذه المشهدية الأبوكالبسية، أو كأن ظهور المهدي دخل الزمن الافتراضي والمعلوماتي وبات يشبه توزيع شبكة توزيع الإنترنت عبر «المودم». وحظيت خبرية الجنرال باهتمام كبير على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفقة بضحكات تهكمية وتعليقات من هنا وهناك. ومعلوم أن تياراً واسعاً في السلطة الإيرانية وخارجها، لا سيما في فريق أحمدي نجاد، يؤمن بأن نظام الجمهورية الإسلامية يخطط ويمهد الأرضية لظهور المهدي المنتظر.ولم تكد تنتهي خبرية، حتى نشرت وكالة أنباء فارس صورة يظهر فيها رجل طويل القامة يخفي وجهه ويلبس شماغًا، تزعم فيها أنه المهدي المنتظر الذي وعدت الوكالة ببث خطابه بالصوت والصورة. ويأتي نشر الخبر في سياق سلسلة من الحيل ووسائل التخدير التي يتخذها الشيعة لخداع عامتهم كي لا ينصرفوا عن المنهج الشيعي. وقد فجَّرت تلك الصورة التعليقات الساخرة في الأوساط المختلفة. لا شك في أن الأزمات تولد المرويات الشعبية الخرافية. بعد هزيمة عام 1967، راجت أخبار كثير حول ظهور العذراء فوق إحدى الكنائس المصرية، وتصدرت هذه الإشاعة عناوين الصحف القومية، وتعرض صادق جلال العظم لمحاكمة في بيروت بسبب نقدها في كتابه الشهير {نقد الفكر الديني}. كذلك انتشرت قراءة الكتب الخرافية، خصوصاً {برتوكولات حكماء صهيون}. مع الحرب السورية، لا بد من ظهور الكثير من الأمور الغيبية، من {ثقافة المدد الغيبي} التي يؤمن كثيرون بأنها تساهم في الانتصارات، إلى انتظار ظهور المهدي، وهذه الثقافات كافة تحتاج إلى ماركيز ليدونها في روايات خالدة.
توابل - ثقافات
المهدي المنتظر وماركيز
29-05-2013