إصلاح المركبات لا يحتاج سوى ساعات ولا عزاء لإذن المرور

Ad

لكي تعرف حجم المأساة التي وصل إليها بلد القانون وبلد المؤسسات عليك زيارة «صناعية خان» في جليب الشيوخ، لترى بأم عينك كيف يُخترَق القانون في بلد القانون، وكيف يمكن أن تُطمَس الحقيقة، وتُمحى معالم الجريمة في ثوان، إذن ابتسم أنت في دولة الجليب!

ابتسم أنت في الجليب... بلد المعجزات ودولة بلا قانون، لا تعرف المستحيل، ولا تعترف بأبسط قوانين الدولة، بل تفرض قانونها الخاص، وتجبر دولة القانون على غض النظر أو التغاضي المتعمد عما يجري داخل حدود دولة الجليب التي اصبحت ملاذا آمنا لكل مخالف لقانون الاقامة، ولكل من ليس لديه عمل وصولا الى أنها، اي دولة الجليب، أصبح لها دستور خاص وقوانين خاصة تطبق وتفرض عن طريق دفع الإتاوات بحد التهديد.

صناعية في الهواء الطلق

كثيرة هي قوانين «دولة الجليب» التي فرضها القائمون والمسيطرون على أجزاء تلك «الدولة»، فلكل جزء متنفذون يبسطون سلطانهم عليه ويصبغونه بلونهم. ففي المنطقة الوسطى  المعروفة سابقا باسم منطقة جليب الشيوخ، تسيطر جماعات آسيوية منظمة تنتمي غالبيتها الى الجنسية الباكستانية، وقد عمدت الى إنشاء صناعية في الهواء الطلق لإصلاح المركبات التي تتعرض لحوادث مرور متجاوزة بذلك كل الاجراءات التي يفرضها القانون عند وقوع حوادث المرور فضلا عن تجاوز الاجراءات اللازمة لفتح محلات للحدادة والصبغ وإصلاح المركبات والتي تتضمن عدة تراخيص تبدأ من وزارة التجارة ثم الشؤون والمطافئ والبلدية، لذا قرروا إنشاء هذه الصناعية دون اي اجراءات تذكر، وكما يقول المثل الشعبي «على عينك يا تاجر» فهم اختاروا الموقع، وهو عبارة عن ساحة ترابية كبيرة في منطقة جليب الشيوخ وكل حداد او صباغ ما عليه سوى اختيار الموقع المناسب ودفع قيمة الارضية الى مسلم خان، وهو زعيم المجموعة المسيطرة على الصناعية، ويمارس عمله بكل أريحية دون أن يتعرض له احد.

يرى خان أن هذه الصناعية أفضل، لأن قانون التأمين لا يسمن ولا يغني من جوع، وأن الوافد هو المتضرر الوحيد في اي حادث مرور، فضلا عن انه رأى ان دولة الجليب خارج نطاق دولة القانون، لذا قرر انشاء هذه الصناعية التي تدر عليه ذهبا، وتحمي امثاله من الوافدين من شركات التأمين و»بهدلة» تحقيق المخافر، لذا هو يخبر زبائنه وأغلبيتهم من الوافدين والمواطنين محدودي الدخل أن ما عليهم سوى الهروب من موقع الحادث وإحضار المركبة الى صناعيته، ثم يتولى هو والعاملون إصلاح المركبة واخفاء معالم أي حادث بدون اذن إصلاح وبدون ورقة التأمين وبدون وبدون وبدون! ومقابل مبالغ مالية قليلة لا تتجاوز عشرة دنانير للحادث البسيط ، والمركبة لا تحتاج سوى ساعات لإصلاحها وإخفاء معالم الجريمة.

لماذا قرر خان إنشاء الصناعية؟

حاولت «الجريدة» كشف بعض أسرار هذا الجزء من دولة الجليب، والذي يعتبر جزءا حيويا ولا احد يستطيع التعدي عليه من قبل المجموعات الاخرى (البنغالية) التي تسيطر على الجزء الشمالي المعروف بالحساوي، والجزء الجنوبي الذي تتقاسم السيطرة عليه الجنسيتان المصرية والسورية، وهو ما يعرف باسم العباسية. وقد طُرِد احد الحدادين يدعى (جاويد) من قبل خان لانه خالف قوانين الصناعية، فتم منعه من ممارسة العمل حتى يدفع مبلغ ترضية للزعيم للسماح بالعودة مرة اخرى إلى العمل.

وذكر «جاويد» أنه يعمل في مهنة حدادة السيارات منذ 15 عاما كما يدعي، كما أنه يفتخر بانه مخالف لقانون الاقامة منذ 6 سنوات، وقد قدم الى البلاد منذ عشر سنوات فقط.   

من هم زبائن الصناعية؟

 واصل جاويد حديثه لـ«الجريدة» عن زبائن صناعية خان قائلا، ان اغلب زبائن الصناعية هم من  العمالة الوافدة الذين يعرفون هذا المكان جيدا وبعض المواطنين، إضافة إلى أن بعض الزبائن هم من يستأجرون سيارات من الشركات ومكاتب التأجير ويرتكبون حوادث مرور بتلك المركبات فاذا أرجعها إلى لشركة او المكتب اشترطوا عليه الاصلاح بالوكالة، ما يعني انه سيدفع المزيد من الاموال وتكاليف باهظة الثمن، لذا يقرر جلبها الى صناعية خان للإصلاح مقابل شيء لا يذكر، وبطريقة تنطلي على الشركة والمكتب، فضلا عن ان هناك من يرتكب حادثا ويهرب ويأتي الى الصناعية لإصلاح المركبة وكأن شيء لم يحدث.

إذن الإصلاح بـ 5 دنانير

قال جاويد لـ«الجريدة»: إذا كان حادث السيارة كبيراً ويحتاج إلى إصلاح عدة أيام، وخوفا من مرور أي دورية أمنية أو مفتش الداخلية، مع ان ذلك لا يحدث إلا نادرا، فإن حدادي الصناعية يضعون إذن إصلاح مزوراً على المركبة يدفع مقابله الزبون 5 دنانير غير أجور الإصلاح.

طمس معالم الجريمة

جاويد أخبر «الجريدة» أن بعض الزبائن يتسببون في حوادث مميتة وحوادث دهس ويأتون إلى صناعية خان لكي يخفوا معالم الجريمة، مشيرا إلى أنه يذكر أنه أصلح سيارة وافد عربي دهس بها طفلا ولاذ بالفرار، وان زمن إصلاح السيارة لم يتعد ساعات.

أين الدور الرقابي للمرور والبلدية؟

سؤال يطرح نفسه بقوة، خصوصا هذه الايام، التي تشهد صحوة امنية مرورية يقودها وكيل وزارة الداخلية المساعد لشؤون المرور اللواء عبدالفتاح العلي، الذي يعمل جاهدا وبكل امانة مع قيادات المرور للقضاء على مظاهر المرور السلبية التي تساهم في تفاقم مشكلة المرور، هل هذه الظاهرة لا تستحق المتابعة والاهتمام من قبل قيادات المرور وقيادات البلدية والجهات الامنية المساندة؟

 86 ألف حادث مرور

مقارنة بسيطة لا تحتاج إلى أي تعقيد، تشير إحصائية المرور الرسمية إلى أن عدد حوادث المرور المسجلة العام الماضي بلغ 86 ألفا و542، فإذا أراد قياديو المرور معرفة كم مركبة تم إصلاحها في صناعية خان فعليهم إحصاء كم إذن إصلاح أصدرته إدارة التحقيق ليعرفوا ماذا تعني صناعية «خان»، وذلك طبعاً غير المركبات التي هربت بعد الحوادث أو المسروقة وسيصلون إلى رقم فلكي.

 تغيير لون المركبة

ذكر جاويد معلومة خطيرة ومأساوية، هي أنه في صناعية خان تأتي مركبات مسروقة ويتم تغيير لونها بالكامل، وهي تستعمل من قبل أحداث أو أشخاص خارجين على القانون، ومن ثم تباع في نفس الصناعية وتفك على أنها قطع غيار، وشاسي المركبة يتم صهره أو يباع كحديد خردة.