حبيبات صغيرة تتدافع نحو الأسفل بفعل الجاذبية الأرضية عبر فتحة الساعة الرملية الضيقة، كل حبة تساوي جزءاً من الثانية، والثانية في موازين الأمم الناهضة تساوي الملايين لأن الوقت هو شرط الانتصار في أي سباق.

Ad

الأمم التي تكيفت مع حبات الزمن الرملية أبدعت بقدر تكيفها، فمن أمم تواكب الزمن في اليوم والساعة والثانية، إلى شعوب تعيش في المستقبل ولا تعاني سوى بطء الزمن وضيق العلم!

كم هي الحياة غريبة لو نظرنا إليها من زاوية الزمن، فكل العالم يعترف بتوقيت عالمي واحد هو "غرينتش"، وتقويم ميلادي موحد لا بد أن يجد مكانه إلى جانب تقاويم الديانات والثقافات الأخرى على اختلافها، الشيء الغريب هو الأزمان المتباعدة التي تعيشها كل أمة وملة، والأغرب هو الأزمان المتنافرة التي تعيش في الوطن الواحد.

شعوب الوقت المهدور منشغلة بما هو أهم وأجدى من سباق التقدم في ميادين العلم والمعرفة، منهم من يستند إلى تقويم وضعته حضارات بادت يشير إلى قرب نهاية الأرض! وما دامت النهاية قد اقتربت...  فلماذا "وجع الراس"؟ هذه القناعة التي قد تصل إلى درجة القداسة أوجدت أنواعاً بدائية في طرق حياة البشر لا تزال قادرة على إمداد مجلة مثل "ناشيونال جيوغرافيك" بالمواضيع النادرة التي تحكي قصة عقول أوصدت أبوابها بالحديد والصلب.

من شعوب الوقت المهدور شعوب تحلم بوقت مستقطع أو "تصفير" كل الحضارات الموجودة على أمل أن تبدأ البشرية من الصفر، وهذا بالتأكيد مجرد تخاريف، وهناك شعوب حاولت تطوير تخلفها بالاحتيال المضحك المبكي، فقد وجدت في "الشقلبة" حلاً مثالياً لأزمتها الحضارية وفجوتها الزمنية المتزايدة، ذلك الحل يتمثل بمعاكسة حركة ساعة الزمن الرملية بالوقوف على اليدين ورفع القدمين للأعلى لتشعر أن الوقت يسير لمصلحتها على الدوام!

فيا له من شقاء أن نرى شعباً بأكمله "يتشقلب" نصف يومه بالكامل، وهو نائم وهو يأكل وهو يمارس الكذب قائلاً: نحن في المقدمة!

يتبقى من شعوب الوقت المهدور نماذج لا يمكن تجاوزها مثل الشعوب التي تجتهد في مد أجل الماضي حتى يطول الحاضر ويستطيل نحو المستقبل، وفي هذا المشهد من الشقاء البائس لا نرى غير دول تحولت بأكملها الى استوديو ضخم لفيلم تاريخي، الكومبارس فيه شعب والأبطال فيه قادة ملهمون.

وأخيراً نختم بالنموذج الأخير لشعوب تعيش على جملة من الحتميات تنتهي جميعها إلى أن النصر سيكون لمصلحتها في نهاية السباق دون ركض أو عمل! ومن يجرؤ على التفكير ومعاكسة ما هو سائد يتم إخراجه من الاستديو فوراً وإحضار "دوبلير" يقوم بدوره مدى الحياة.