يصعب أن تبدأ بتغيير شخصيتك تغييراً عميقاً إلا إذا كان التغيير يطاول عادة بسيطة. قد تكون مناقشة التغيير في بعض الحالات مستحيلة لأنك لا تتحلى أصلاً بإرادة حقيقية أو وعي عميق، لكن حين يتوافر هذا الشرط، سيمضي تنفيذ القرار بشكلٍ صحيح، حتى وإن كانت الوسائل المتاحة غير موجودة.

Ad

عندما تكون شاباً تفكر بأن الآخرين على خطأ وقد تحقد عليهم  وقد تشك بالأهل والأساتذة وحتى الزعماء إذا أخطأوا. ما إن تصل إلى مرحلة البلوغ، يصبح الحقد الذي قد تحمله ضد الآخرين أو الذي قد يحمله الآخرون  ضدك قاسياً، فتسعى إلى التخلص من هذا الميل الغاضب والبحث عن خطة إنقاذ.

الحقد الذي قد تحمله تجاه أشخاص تختلف آراؤهم عن آرائك يختلف عن {روح المعارضة} التي تطبع مرحلة المراهقة لتمتد إلى مرحلة البلوغ. إنه طبع وشخصية في بحثٍ دائم وحاجة مستمرة إلى هذه المعارضة لأخذ عناصر المشكلة المختلفة كافةً في الاعتبار.

قد يسوء الأمر بحيث يعجز المحيط عن تحمله، إلا أن الشخص المقصود لا يحقد على محدّثه لأنه يتيح له فرصة الاستفسار من وجهة نظرٍ مختلفة. إنه أسلوب تفكير ونقاش لا بدّ من أن يستند إلى معارضين من المستوى عينه، بمعنى آخر يحظون باحترام.

 

اتخاذ قرار

قرار التغيير الخطوة الأولى الواجب اتخاذها ومن دونها يبقى كلّ شيء مستحيلا. لكن قد تستغرق وقتاً طويلاً قبل أن تعترف بأنك تتحمل ذنب الحقد الذي تحمله للآخرين والاعتقاد بأنك على حقّ. ما المانع في أن تعتمد بعض التواضع في أسلوبك؟ كيف السبيل إلى ذلك وقد بات الأمر محفوراً في شخصيتك وتغييره صعباً، لا سيما حين يتحول إلى شبه ردّ فعلٍ لا إرادي؟

ما يدفعك إلى اتخاذ قرار التغيير هو شعورك بالتعاسة والعزلة بسبب الفوقية التي تعتمدها. حتى حين يكون الرفاق لطفاء فلا يُظهرون أي رد فعل ويفضلون معاملتك بحذر، ستقابل في محيطك القريب حتماً أشخاصاً يتصرفون على أساس أنهم يعرفون كلّ شيء أو أن الأمر لا يحتمل أي نقاش. السيئ في هذا الوضع أنك تكون أحياناً على حقّ فعلاً! في النهاية بينك وبين المعرفة خطوة...

قد تتخذ القرار بعد أن تنتقد رأي الآخر أو موقفه لتكتشف بعد ذلك أنك كنت على خطأ.  كثيرةٌ هي القناعات التي قد تكون مدمرة.  

تذكّر أن مناقشة الغير والأمور اليقينة المتزمتة هي بداية الحماقة. يكفي أن تفكّر أن علماء الرياضيات أو الأطباء الذين اكتسبوا معارفهم شيئاً فشيئاً واحتلوا مركزاً مرموقاً في مجالاتهم وقدموا أفكاراً، توصلوا إلى حدود تتخطى معرفتهم وإدراكهم. تتدخل الفلسفة هنا، فيتحوّل الشكّ إلى عامل تقدّم يؤدي إلى أفكار جديدة. بمعنى آخر، أنت تتوقف دائماً في منتصف الطريق حين تظن أن الآخر على خطأ.

لا شكّ في أنك سمعت أحدهم ينعت شخصاً معيناً، بصوتٍ خافتٍ، بأبشع الألفاظ، ورأيت في تصرفه قلة تهذيب غير مقبولة. إلا أن المفاجئ في تعبير شفهي مماثل أنه يخاطب إنساناً أكبر سناً منه يظنّ أنه يعرف كلّ شيء وليس عجوزاً كما قال. لكن قد يتضح أن هذا الفرد كان على حقّ إلا أنه اعتمد أسلوباً سبب رد فعل عدائياً.  في المقابل، قد يتخذ الشباب مواقف معينة ويعتمدون نبرةً تصنفهم ضمن الأشخاص المنبوذين بعض الشيء. أن تدرك الأمر وتعي معناه هو بداية طريق الخلاص المؤدية إلى التغيير.

حالة نموذجية

 

الخطوة الأولى: حدد الحالات الأكثر رواجاً التي تشعر فيها بحقدٍ إزاء الآخرين:

هل من أمور معينة لا تترك للمسامحة مكاناً؟ في النهاية، لكلّ شخص موقف خاص يعتقد أنه يملكه من جوانبه كافة وأنه محقّ دائماً في كلّ ما يتعلّق به. يسهل تحديد هذه الأمور وقد تتوصل فيما تحددها إلى تصحيح نفسك سريعاً.

متى يُعتبر الأمر تصرفاً عاماً؟ في السيارة، يقوم الآخرون بأمور عشوائية، في العمل تقابل زملاء غير أكفّاء أو مديراً غير ماهر، في المنزل تتواجه مع شريك متسامح جداً مع الأطفال... قد تحقد على أصدقائك لأنهم لم يتصرفوا كما تفعل أنت. في الصداقة كما في الحبّ، التكامل يؤدي إلى الغنى.  

سلطة وفوقية

بصفتك مسؤولاً، ترغب في أن يتصرف الآخرون كجنود طائعين شرط ألا تكون أنت شخصياً عرضةً لرغبةٍ مماثلة. إنه أمرٌ طبيعي، فأنت الزعيم واستناداً إلى هذه الفكرة ستتمحور عملية إعادة التفكير والحسابات. يتعين عليك إذاً أن تختار بين القمح والشعير.  

تأكيد السلطة أو {الفوقية} أمر شرعي في الإطار المهني حين تكون مسؤولاً عن أمور معينة.  طبيعي أن تختار أسلوباً معيناً في العمل وأن توكل أمر تنفيذه إلى موظف ترى فيه الكفاءة المطلوبة، كذلك الأمر بالنسبة  إلى تبني تغييرات ضرورية. أن تدفعك شخصيتك إلى الاعتقاد بأن الآخرين دائماً على خطأ لا يجب أن يضع الكفاءات الحقيقية موضع الشكّ. في السياق عينه، أن تفرض رأيك في ما يتعلق بتعليم الأطفال أمرٌ طبيعي. استناداً إلى ذلك بينك وبين أن تعترف بحقّ الآخرين بالتصرف مثلك خطوة واحدة...

إحدى المشاكل التي قد يواجهها المديرون الذين يعتقدون أنهم على حقّ، هي أنهم عند مواجهة أي مقاومة أو معارضة يغيّرون آراءهم بشكلٍ شبه منهجي، باعتبار أن الآخر الذي يظنونه مخطئاً هو متمرد، قليل الذكاء، إلا أنهم لا  يودون أن يفهم أنهم يقومون بذلك لما فيه مصلحة الجميع، ومصلحتهم.

إساءة الفهم

لا يتمتع بعض الأشخاص بشخصية الزعيم، إلا أنهم يتحاملون على الجميع ما إن يسمعوا تعليقاً مذماً أو اتهاماً يتعلق بأمرٍ محدد في إطار العمل، فيظنون أنه رفض ليس للرأي أو الفكرة بل رفضٌ لشخصهم ما يؤدي فوراً إلى شعور بالضغينة والحزن. في ظروف معينة، يسود سوء تفاهم، فيتحامل الواحد على الآخر الذي يعجز عن فهم رد الفعل هذا.

يتميز بعض الأشخاص أحياناً بحساسية وقابلية ويلزمهم عملٌ حقيقي للتوصل إلى تحقيق تقدم جزئي من دون أن يشعروا أنهم مرّوا تحت مجهر الشكّ. في حالات مماثلة، يطاول التدقيق والشكّ التحليل: يعود التحامل على الآخرين إلى مستوى قابلية مرتفع يشوّش النظر وينتقص من قيمة الذات. أن تتوصل إلى الاستماع إلى الآخر وأن تنجح في التقدم الجزئي يحتوي على بعض اللوم الضروري في ما يتعلق بمسألةٍ معينة وبك، حتى وإن كان جزئياً.

أن تتحامل على الآخرين يؤدي إلى وحدة معينة وعزلةٍ حقيقية قد تتحول إلى محنة مخفية.

مجهود شخصي

ما إن تعي الأمر، تؤدي إرادة تغيير موقفك إلى طرق مختلفة. كثر هم الأشخاص الذين يفضلون التفكير في المسألة على انفراد أو مع أشخاص مقربين لتحليل الأمور التي يرون أنها لا تسير بخير ولتصويبها في الاتجاه الصحيح. إنها طريقة صعبة وحساسة لأنها تستدعي أن تكون حكماً ومتهماً في الوقت عينه. لكن حين تظنّ أنك على حقّ وأن الآخرين لا يفهمون شيئاً، لِمَ لا تتصرف بشكلٍ طبيعي فتمضي وحدك في هذه المغامرة؟

من السهل أن تتصرف حين تنجح في تحديد الأسباب التي تدفعك إلى رفض رأي الآخر. لذلك من الضروري أن تأخذ كل واحد منها على حدة لتفهم سبب التعصب. قد يتعلق الأمر أحياناً بمعرفةٍ عميقة، منطق لا يسعك معه أن تحتمل النقاش حول موقف خاص يثير رد فعلٍ عاطفياً أكثر من كونه عقلانياً.

حين تدرك أنك بصدد تصرفٍ عادي، أياً كان الموقف، سيتضح أنك تدخل في متاهة شخصيتك وتاريخك. من أين يأتي إذاً الهوس الذي يتملّكنا ويدفعنا إلى رفض أفكار الآخرين وآرائهم؟ إنه نتيجة رغبة في التفوق التي تشير إلى روح المنافسة. حين تسعى إلى أن تكون أفضل من غيرك فأنت تفتح المجال أمام الآخرين لتخطيك. في حال سوء التفاهم، من أين ينشأ الإحساس تجاه رفض الآخر لرأي أو ملاحظة معينة؟ هل يُعقل أن يكون بناء الذات ضعيفاً لدرجة أنه يترنح في كلّ وقتٍ وحين؟ شخصيتان مختلفتان، تجمعهما نقطة مشتركة: الاعتقاد أن الآخر مخطئ أو لم يفهم شيئاً والتحامل عليه.

حين لا تكون الذاكرة انتقائية، قم بتمرين مهم: فكّر في نماذج من هذا النوع على أن تأخذها من وجهة نظرٍ رجعية.

أن تتحامل على الآخرين يعني ببساطة صعوبة تقبل الفرق والتأقلم مع فكرةٍ جديدة. قد يُعزى الأمر إلى ضعفٍ حقيقي يتحول إلى محور تقدّم جديد. يعاني الإنسان الذي يُساء فهمه الضعف عينه: إذ لا يتحمّل المعارضة والانتقاد. في الحقيقة، تكمن النقطة الصعبة في مناقشة الأمر لأنها تكاد تزعزع الاستقرار وتحثّ الغريزة على الدفاع عن نفسها. في هذه الحالة، لا بدّ من العمل لتحسين تقديرك لذاتك بعد تقييمها وتحديد مقدارها.

اطلب المساعدة

يصعب أن تعمل وحيداً لتحسين تقدير الذات، لذلك اطلب مساعدة قد لا تتخطى في بعض الحالات بضع جلسات. ساعد نفسك أيضاً حين تفكّر في حالات تبيّن موقفاً مماثلاً، لتعرض بشكلٍ أوضح الضيق الذي تشعر به وتحيط بالهدف المنشود الذي تبحث عنه بمساعدة المعالج.  

تتيح المساعدة الخارجية فرصة أمامك لتحرز تقدماً سريعاً. من الضروري بالتالي أن تحدد إذا كنت ترغب فعلاً في اعتماد جلسات علاجية نفسية للتغلب على مصدر هذا التصرف، ما يستدعي فترةً متوسطة إلى طويلة والانتقال من مرحلة المراقبة إلى إعادة التفكير في المسألة بشكل معمّق. لا بدّ من أن تأخذ في الاعتبار أن بناء تقدير الذات عملية طويلة جداً.

في حال لم تكن قادراً على الالتزام، يمكنك أن تراجع محللاً أو معالجاً نفسياً على المدى القصير. هنا، يبدو التطبيق أفضل لأنه يقوم على تمارين حول أداء أدوار تتيح لك أن تكون مكان الآخر ورؤية نفسك من زاوية أخرى. ولا بدّ من الإشارة إلى صعوبة، بل استحالة، القيام بذلك مع أشخاص مقربين.

يبدو اللجوء إلى مساعدة نفسية خارجية، حتى وإن كانت موقتة، ضرورياً إذ قد تقدم طريقة جديدة ترى من خلالها الآخرين ونفسك. إنها مساعدة حقّة، لا بدّ من اعتمادها.

شهادة

مها (41 عاماً) مديرة مبيعات:

شخصية غريبة

{لطالما عانيت مشاكل مع زملائي في المكتب، لا سيما مع اثنين منهما. فسرّت لهما مراراً وتكراراً الطريقة التي أودّ اعتمادها لتلقي الاتصالات الهاتفية مع العملاء ولكن من دون جدوى. انتباني الجنون وبت عاجزةً عن النظر إليهما تفادياً للغضب. في النهاية قررت أن أقصد المدير العام لأنفصل عن أحدهما. فما كان من المدير إلا أن راقب عملهما ووضع يده على حقيقة كنت أخفيها، فقد تبيّن أن نتائجهما كانت رائعة وأنهما يأتيان في رأس لائحة الموظفين المهرة. بحث معي الوضع ليتوصل إلى النقاط التي دفعتني إلى هذا التصرّف. توصلت في النهاية إلى أن شخصيتيهما غريبتان بالنسبة إلى الفريق ولا يندمجان معه، الأمر الذي عجزت شخصياً عن تحمله. في المقابل، تمكّن الزملاء الآخرون من تقبّلهما برحابة صدر وفهم ضرورة إحداث تغييرات في ما يتعلق بأسلوب تلقي الاتصالات الهاتفية الذي فرضته، ليتناسب مع هذين الموظفين}.