توجد هنا هرطقة صغيرة. الضجة التي أثيرت حول اختيار باراك أوباما للرئيس المقبل لمجلس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، تتناسب عكسياً مع أهمية الحدث. لا يهم حقاً ما إذا كان المختار هو لورنس سمرز أو جانيت ييلين. العالم - والاقتصاد الأميركي - سيستمران في الدوران.
الآن ما النقطة الثانية من الزندقة: التغييرات في السياسة النقدية التي يتبعها مارك كارني في بنك إنكلترا والتي تحتل عناوين الصحف فيها الكثير من اللغط، حسناً، ليس كثيراً جداً. مخطط المحافظ الجديد للإرشاد المتقدم حول أسعار الفائدة يثير العديد من التساؤلات بقدر ما يجيبها. تأثيره على مسار الاقتصاد البريطاني، سيكمن في مكان ما بين ضئيل ومعدوم.محافظو البنوك المركزية هم سادة الكون الجدد. الحالة المزاجية للحظة تقول إن الساسة لا يمكن الوثوق بهم وإن محافظي البنوك التجارية محتالون. وهذا يحيل محافظي البنوك المركزية إلى مستودعات لثقة الجمهور. ليس لدي أي شيء ضدهم. وكثيراً ما عملت النظرية الاقتصادية على خداعهم، ولكن، بصور إجمالية، فهم يشكلون مجموعة أذكياء. العديد (وليس الكل) يقيّمون الاحتراف والخدمة العامة فوق الشهرة أو الثروة.تأتي المشكلة عند منحهم صفات خارقة. الكثير من الجدل حول سمرز المقابل للسيدة ييلين والجعجعة التي رحبت بوصول كارني إلى لندن، يبررها افتراض سخيف شائع جداً في الأسواق المالية، ومفاده أن هؤلاء الناس من القيمين على حجر الفلاسفة.في الحقيقة، إن دورهم هو محاولة منع الأذى عن طريق إبقاء غطاء ذكي على معدل التضخم، والسهر للعمل على استقرار المصارف والنظام المالي.كما نعلم الآن جيدا، فقد فشلوا فشلاً ذريعا في هذه المهمة الثانية خلال السنوات التي سبقت الانهيار. كان الخطأ هو التعبد في مذبح الرأسمالية المالية الجديدة، وهو أن كل شيء سيكون على ما يرام، إذا تم السماح للأسواق بالعمل بحرية. معرض المحتالين من الأشخاص المسؤولين عن تركيع العالم على ركبتيه يتكون من مساحة مزدحمة، ولكن، يقف رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي السابق آلان غرينسبان، ليحتل المركز الأبرز بين جميع القوائم التي يمكن أن تختارها.في لحظات الطوارئ العظيمة، يمكن أن يحدث محافظو البنوك المركزية فرقاً. كان "الاحتياطي الفدرالي الأميركي" محظوظا في وجود بن برنانكي للملمة الأجزاء المتناثرة. قلة من صانعي السياسات كانوا متبحرين في الدروس المستفادة من الكساد الذي حصل خلال الثلاثينيات في القرن الماضي. وكان لدى برنانكي ثقة عقلية وشخصية تسمح له باتخاذ القرارات الصحيحة.في بلدان أخرى، من شأن البعض أن ينسب إلى رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي عملية حفظ اليورو بسبب إنقاذه للسياسة النقدية من الشلل السياسي بين حكومات منطقة اليورو.أعتقد أن ذلك يأخذ الأمور بعيداً جداً، كان القرار الأكبر هو القرار السياسي الذي اتخذته المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لدعم البنك المركزي الأوروبي، أكثر من البنك المركزي الألماني. لقد لعب دراجي دوره بشكل لا ريب فيه، ولكن مستقبل اليورو لايزال في أيدي الساسة. وبالمثل، الروافع الرئيسة لوضع السياسات الوطنية.تعيين راجورام راجان كرئيس للبنك المركزي الهندي لن يعمل على إنقاذ اقتصاد ذلك البلد. وعلى نحو مماثل، باستثناء حدوث حالة طوارئ جديدة، فإن القرارات التي اتخذت من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي ستكون على الهامش.صفات سمرز معروفة بشكل جيد خصوصاً بالنسبة لسمرز. السيدة ييلين تبدو أنها الخيار الأكثر هدوءا، لكنها يقال أيضا انها لا تعاني نقص احترام الذات. رغم جميع الغابات التي تم قطعها والوحدات الإلكترونية المستهلكة في النقاش حول الخلافة، أنا لم أر أي دليل على أن هذا الشخص المحتمل أو ذاك سيضرب في اتجاه مختلف بشكل جذري.أما بالنسبة لكارني، فهو يريد أن يصبح رئيساً لوزراء كندا. قد يكون لديه حظ السياسيين. لقد رُشِّح اسمه في لندن تماما في الوقت الذي يبدو فيه الاقتصاد في حالة من الانتعاش. إنه محظوظ بسلفه: ميرفين كينج، الذي لم ينفِ أبدا تهمة نومه على عجلة القيادة أثناء طفرة الائتمان، والبطء الشديد في الرد عندما تحولت هذه الطفرة إلى انهيار.كارني على حق حين يعطي علامة للأسواق بأن تكاليف الاقتراض البريطانية لا يرجح لها أن ترتفع فترة لا بأس بها. لكنه ربط العلاقة بين أسعار الفائدة ومستوى محدد من البطالة، وهذا بالضرورة يشتمل على عدد كبير من عوامل اللبس في التوقعات والمحاذير والاستثناءات، إلى درجة أنه يشبه التخمين المستقبلي أكثر من كونه يشبه الإرشاد.كان من الأفضل لو أنه أصدر بياناً عاماً حول النية. على أي حال، التحديات الهيكلية الضخمة التي تواجه الاقتصاد البريطاني، لن يتم التصدي لها من خلال إجراء تعديل بسيط في أسعار الفائدة.بالعودة إلى واشنطن، فقد اعترف أوباما "بالاضطرار إلى تقطيع السلامي لشرائح رقيقة جداً" للعثورعلى الاختلافات السياسية بين سمرز وييلين. فأيهما يجدر به أن يختار؟ الموضوع سهل: القرعة، برمي عملة معدنية في الهواء.- فايننشال تايمز
اقتصاد
سمرز أم ييلين... على أوباما المفاضلة عبر القُرعة
14-08-2013