حكم «الدستورية» ونظام الحكم الديمقراطي (2)

نشر في 05-06-2013
آخر تحديث 05-06-2013 | 00:01
 د. بدر الديحاني  انتهينا في المقال السابق إلى أن حكم المحكمة الدستورية المنتظر لن يحسم الصراع المستمر منذ بداية العهد الدستوري، لكنه سيساهم إما في تخفيف حدته وإما في تفاقمها؛ مع توقعنا أن الحكم سيكون لمصلحة الاستقرار السياسي وترسيخ نظام الحكم الديمقراطي الذي وضع أسسه دستور 1962.

والسؤال الآن هو: ما العلاقة بين حكم "الدستورية" المرتقب والصراع السياسي؟

 إن أبطلت المحكمة مرسوم الضرورة المتعلق بالنظام الانتخابي (الصوت الواحد)، وهذا ما نتوقعه، فإنها بذلك ستنتصر للدستور مما سيخفف من حدة الصراع السياسي ويعيده إلى مجراه الطبيعي ضمن القنوات الدستورية المتوافق عليها منذ 1962، بحيث يكون حول عملية الإصلاح السياسي من أجل استكمال متطلبات الدولة الدستورية الديمقراطية؛ لذلك فمن المتوقع أن تتغير الاصطفافات السياسية الحالية، حيث ستدخل القوى السياسية في اصطفافات أخرى جديدة تتطلبها طبيعة المرحلة الجديدة.

أما إن أتى حكم المحكمة الدستورية مؤيداً لمرسوم "الصوت الواحد"، وهو ما نستبعده، فهذا معناه أنه بإمكان الحكومة منفردة عندئذ أن تتحكم متى ما شاءت في تركيبة مجلس الأمة، وهو الأمر الذي يعتبر نسفاً للأسس التي يقوم عليها نظام الحكم الديمقراطي وبالأخص المادتين (6 و50) من الدستور، حيث لن تكون آنذاك الأمة مصدر السلطات جميعاً، ولن يكون هنالك فصل بين السلطات كما ينص الدستور صراحة، بل إن سلطة واحدة ستقرر ما تشاء ووقتما تشاء!

 وهنا سينتقل الصراع السياسي من صراع هادئ حول أداء الحكومة والإصلاح السياسي إلى صراع محتدم حول النظام الدستوري، والسيناريو المتوقع في هذه الحالة خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار الأحداث السياسية والميدانية الساخنة التي جرت منذ صدور مرسوم "الصوت الواحد" هو أن الاحتقان السياسي سيبلغ مداه، ما قد يؤدي إلى انفجار غضب الناس، وعندئذ سيأخذ الصراع السياسي مجرى آخر بعد أن سدت أمامه القنوات الدستورية، ومن الصعوبة بمكان من الآن معرفة إلى أين سينتهي؟

ولكن الشيء المؤكد هنا هو أن انسداد القنوات الدستورية وتفاقم الصراع السياسي حول النظام الدستوري، وخروج الناس للشوارع والساحات العامة اعتراضاً على التعدي على حقوقهم الدستورية لن يكون في مصلحة وطننا، سواء الآن أو في المستقبل، لا سيما أن المنطقة برمتها تغلي، وهناك، كما هو واضح، ترتيبات إقليمية ودولية جديدة تحتمها المصالح والمتغيرات الجديدة في الساحتين العربية والدولية، وكما هو معروف فإن تماسك الجبهة الداخلية يعتبر عامل قوة في ثبات السياسة الخارجية.

back to top