يركز معارضو منح الكونغرس الرئيس باراك أوباما التفويض الضروري لتوجيه ضربات عسكرية إلى سورية على مجموعة واحدة من المخاوف: الاعتقاد أن كلفة هذه العملية عالية جداً ونتائجها غير مؤكدة، فهم يعتبرون سورية حرباً أهلية تضم عدداً قليلا من الرجال الأخيار والكثير من الأشرار، ومع أنهم يظنون أن استخدام الأسلحة الكيماوية مريع، إلا أنهم لا يعتبرونه مشكلتنا، ما لم نجعله كذلك بتوجيه رد عسكري، أما إذا أقدمنا على عمل مماثل، فيرون أمامنا منحدراً زلقاً ستؤدي فيه الضربات العسكرية الأولى إلى تورطنا في صراع لا يمكننا تحقيق النصر فيه، وفي أعقاب حربَي العراق وأفغانستان، اللتين كبدتانا خسائر بشرية ومادية كبيرة، يبدو الشعب الأميركي، كما تُظهر استطلاعات الرأي، تعباً وخائفاً من أي تدخل إضافي في صراعات الشرق الأوسط.

Ad

يُعتبر هذا الحذر طبيعياً، إلا أنه لا يحد من كلفة عدم اتخاذ أي خطوات. يظن المعارضون في الكونغرس من كلا الحزبين أننا إذا وقفنا مكتوفي الأيدي، فلن نتكبد أي خسائر، لكن الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري أشارا إلى أن الأعراف الدولية التي تحظر استخدام أسلحة الإرهاب، مثل الأسلحة الكيماوية، ستتزعزع، ولا شك أنهما محقان في تأكيدهما أن بشار الأسد سيعاود استخدام الأسلحة الكيماوية، إن تمكن المرة الأولى من تسميم شعبه من دون أن يواجه أي عقاب غير التصريحات القاسية اللهجة، ومن المؤكد أن كلفة ما يحدث في سورية سترتفع في هذه الحالة، وسيزداد احتمال امتداد هذا الصراع إلى سائر دول المنطقة.

 علاوة على ذلك، قد يستخلص اللاعبون المارقون الآخرون أن استعمال الأسلحة الكيماوية ممكن، وأنه ما من ظروف أو فظائع أو أعمال إبادة قد تدفع ما يُدعى العالم المتحضر إلى التحرك.

رغم ذلك، يعتبر معارضو التفويض هذه الحجج مجرد مسائل مجردة، فوحدها المخاطر المباشرة التي تؤثر فينا تستوجب في رأيهم ضربات عسكرية أميركية، ولا داعي أن نذكّر أن المخاطر، عندما تصبح مباشرة، ترغمنا على استخدام جيشنا على نطاق أوسع وفي ظل ظروف أكثر سوءاً، ولكن ثمة حجة أخرى علينا أخذها أيضا في الاعتبار: إذا عرقل المعارضون حصول أوباما على التفويض، وإذا شعر الرئيس أنه لا يستطيع تنفيذ ضربات عسكرية ضد سورية، فسيضمن ذلك على الأرجح عدم توصلنا إلى أي نتيجة دبلوماسية لصراعنا مع إيران بشأن أسلحتها النووية.

أقول ذلك لسببين: أولا، سيضعف موقف الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي لا ينفك يرسل الإشارات إلى أنه يريد عقد صفقة بشأن برنامج إيران النووي، عندما يتضح أن الولايات المتحدة لا تستطيع استخدام القوة ضد سورية. ففي هذه الحالة، سيصبح بإمكان المتشددين في حرس الثورة الإيراني والمحيطين بالقائد الأعلى الادعاء أن السعي إلى تطوير أسلحة نووية ينطوي على كلفة اقتصادية فحسب من دون أي مخاطر عسكرية، وستكون حجتهم: عندما تنجح إيران في تطوير سلاح نووي، تعزز نفوذها في المنطقة وتنمي قوتها الرادعة، والأهم من ذلك أن سائر دول العالم سترى مدى فشل العقوبات وستدرك أن الوقت قد حان للتقرب من إيران. في ظل ظروف مماثلة، ستفقد العقوبات فاعليتها، فبماذا يتحجج روحاني؟ بأن المخاطر كبيرة؟ وبأن الكلفة الاقتصادية قد تهدد استقرار النظام؟ قد يكون لهذه الحجج اليوم بعض التأثير في آية الله علي خامنئي لأنه يواجه أيضاً خطر أن كل الخيارات الأميركية لا تزال مطروحة على الطاولة، وأن الرئيس الأميركي أعلن أنه لن يسمح لإيران بتطوير أسلحة نووية، ولكن إن مُنع الرئيس من اللجوء إلى القوة لردع سورية، فسيبدو جلياً أن كل الخيارات ليست مطروحة على الطاولة، وأننا، بغض النظر عما نقوله، مستعدون للتعايش مع دولة إيران تملك أسلحة نووية.

لكن إسرائيل ليست مستعدة بالتأكيد للقبول باحتمال مماثل، وهذا هو السبب الثاني الذي يزيد من احتمال أن يؤدي عدم السماح بتوجيه ضربات عسكرية إلى سورية إلى استخدام القوة في التعاطي مع إيران، فستشعر إسرائيل بالتأكيد ألا سبب يدفعها للانتظار، وأنه ليس هناك سبب يجعلها تمنح السبل الدبلوماسية فرصة، وألا سبب للاعتقاد أن الولايات المتحدة ستعالج هذه المسألة. يعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدولة الإيرانية المتسلحة نووياً خطراً وجودياً، ويعتقد أن عليه ألا يسمح بحدوث إبادة ثانية للشعب اليهودي، وما دام نتنياهو مقتنعاً بأن الرئيس أوباما مصمم على التعاطي مع الخطر الإيراني، يمكنه تبرير لجوئه إلينا، لكن هذا الوضع سيتبدل قريباً في حال عرقل المعارضون توجيه الضربات إلى سورية.

تكمن المفارقة في أن المعارضين، إن نجحوا، سيحولون دون نشوب صراع يبدو الرئيس أوباما مصمماً على إبقائه محدوداً ويملك الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك. حتى عندما تدخلت إسرائيل عسكرياً لتطبق خطوطها الحمراء وتمنع سورية من نقل أسلحة متطورة إلى "حزب الله" في لبنان، تفادى الأسد، وإيران، و"حزب الله" الرد بحذر. فلا مصلحة لهم في استفزاز إسرائيل وحملها على شن ضربات قد تضعف القوات السورية وتجعلها عاجزة عن التصدي لمقاتلي المعارضة.

رغم كل الكلام القوي عمّا قد يحدث في حال ضربت الولايات المتحدة أهدافاً في سورية، تبقى مصالح سورية وإيران في تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة محدودة أيضاً، ولكن هل يمكننا قول الأمر ذاته إن شعرت إسرائيل أنها لا تملك أي خيار آخر غير توجيه ضربة إلى البنية التحتية النووية الإيرانية؟ ربما يحاول الإيرانيون إبقاء ذلك الصراع محدوداً، وربما لا. وقد لا تشارك إسرائيل الولايات المتحدة في ضربتها العسكرية ضد برنامج إيران النووي، أو قد تفعل، أو ربما عليها ذلك.

في مطلق الأحوال، يجب أن نسأل معارضي منح التفويض للرئيس الأميركي كي يوجه ضربات عسكرية إلى سورية عمّا إذا كانوا مرتاحين إلى موقف سيستبعد على الأرجح أي حل دبلوماسي لمسألة البرنامج إيران النووي. في هذه الحال، قد لا تبدو كلفة الوقوف مكتوفي الأيدي في نظرهم متدنية إلى هذا الحد.

Dennis Ross دينيس روس

* مستشار في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، وكان سابقاً أحد مستشاري الرئيس أوباما البارزين لشؤون الشرق الأوسط بين عامَي 2009 و2011.