الانقلاب المصري يقسّم الشرق الأوسط
بعد ساعات من تعيين وزير الدفاع المصري وقائد الجيش عبد الفتاح السيسي رئيس المحكمة مؤقتاً، بعث العاهل السعودي، الملك عبدالله ببرقية تهنئة، وحذا حذوه حكام الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والأردن.
تسبب الانقلاب العسكري في مصر في حدوث انقسام داخل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، مؤدياً إلى تحالفات جديدة غريبة.حظي هذا الانقلاب بدعم سورية، فضلاً عن دول الخليج المحافظة والدولة الأردنية الموالية للغرب، التي قدّمت دعماً كبيراً للمعارضة السورية. في المقابل، انضمت تركيا وتونس إلى إيران في التنديد به، وفي حين امتنعت إسرائيل، وليبيا، واليمن، و"حماس" في قطاع غزة عن التعليق، أثنى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على الجيش المصري والخطوات التي اتخذها. أما الجزائر، فحاولت السير في الوسط، فحضت المصريين على التوصل إلى اتفاق يستند إلى الوحدة، والمصالحة الوطنية، واحترام الدستور، آملةً أن ترضي هذه المقاربة "الطموحات الشرعية للشعب المصري"، وقد عكس موقفها هذا بوضوح الندوب التي خلفتها حرب أهلية دامت عقداً من الزمن وحصدت أرواح نحو 200 ألف جزائري بعد أن ألغى المجلس العسكري الحاكم جولة ثانية من الانتخابات عام 1991، عندما تبيّن أن "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" ستفوز بأغلبية الثلثين في البرلمان.
منذ شهر ديسمبر عام 2010، تشهد هذه المنطقة حالة من الاضطراب والغليان عُرفت بالربيع العربي، الصحوة العربية، أو الثورات العربية، وكان هدفها منح المواطنين حق اختيار حكوماتهم بحرية. فسعت هذه الحركة إلى إنهاء الأنظمة المستبدة، سواء كانت قومية علمانية أو ملكية.صحيح أن تركيا ليست بلداً عربياً، إلا أنها أعربت عن اهتمام كبير بالأحداث التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا العربية. فتركيا جمهورية اتبعت سلسلة من الدساتير العلمانية منذ عام 1923، كذلك صوّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان نظامه السياسي على أنه النموذج المثالي للشعوب التي تناضل للإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية العلمانية في شمال إفريقيا. وقد سلّطت جولته في مصر، ليبيا، وتونس في سبتمبر عام 2011 الضوء على طموحه هذا. بعد نحو شهرين، لاءم بروز حزب النهضة الإسلامي وسيطرته على الحكومة الائتلافية في تونس رغبة أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وعبّر أيضاً عن رضاه بانتخاب محمد مرسي من جماعة "الإخوان المسلمين" رئيساً لمصر في شهر يونيو عام 2012. فكان مرسي أحد أبرز الضيوف الأجانب في المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية، الذي عُقد في أنقرة في الثلاثين من ديسمبر الماضي.لا عجب، إذاً، في أن تركيا وتونس سارعتا إلى التنديد بالانقلاب في القاهرة، فذكّر أردوغان بسيطرة الجيش التركي على السلطة في أعوام 1960، 1971، و1980، وحذّر من أن ثمن عمليات مماثلة باهظ. ثم أضاف: "الانقلابات شرّ لأنها تستهدف الناس ومستقبل الديمقراطية. أريد أن يعبّر الجميع عن ذلك بشجاعة. أعجب من الغرب. فالبرلمان الأوروبي يتجاهل قيمه الخاصة بتفاديه تسمية التدخل العسكري في مصر انقلاباً".لكن اللافت للنظر إعلان قائد المعارضة التركية العلمانية، رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، أن "الانقلاب العسكري مرفوض". فقد دعمت مجموعته القرار الذي أجمعت عليه كل الأحزاب في البرلمان التركي، والذي دان استيلاء الجيش على السلطة في مصر.اللافت للنظر أيضاً ردّ فعل تونس تجاه انقلاب الثالث من يوليو. كان الرئيس التونسي منصف المرزوقي، رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية العلمانية، أول مسؤول بارز يدين الجنرالات المصريين. فقد وصف خطوتهم هذه بـ"ضربة للديمقراطية". وحذا رشيد الغنوشي من حزب النهضة الإسلامي حذوه، واصفاً الإطاحة بمرسي بـ"الانقلاب المشين ضد الشرعية الديمقراطية". في المقابل، بعد ساعات من تعيين وزير الدفاع المصري وقائد الجيش عبدالفتاح السيسي رئيس المحكمة الدستورية عدلي منصور رئيساً مؤقتاً، بعث العاهل السعودي، الملك عبدالله ببرقية تهنئة. وحذا حذوه حكام الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والأردن.لكن الغريب أن يجد حكام الخليج والأردن أنفسهم في الجانب ذاته مع سورية ورئيسها العلماني بشار الأسد. فخلال مقابلة مع صحيفة الثورة الموالية للنظام، أشار الأسد إلى أن سقوط مرسي، الذي قطع كل علاقاته بسورية منذ 13 يونيو، يبرهن أن "الإخوان المسلمين" غير أهل للحكم: "فكل مَن يستخدم الدين ليحقق مصالح سياسية وشخصية يسقط أينما كان حول العالم".يبدو أن الأسد يتجاهل أن الدين أساس حكم أقرب حلفائه في المنطقة: إيران التي تمدّه بالمال، والسلاح، والمستشارين العسكريين لمواجهة حركة التمرد التي يقودها "الإخوان المسلمون" في سورية. علاوة على ذلك، لا شك أن الأسد استاء حين سمع المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية يعلن في 7 يوليو أن على داعمي مرسي ألا يستسلموا في سعيهم لإعادته إلى السلطة: "يجب ألا يشعر الإسلاميون والثوار باليأس".ومن الواضح أن أتباع جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر قرروا الالتزام بالتظاهر سلمياً، استراتيجية حظيت بتقدير الإسلاميين الأكثر انضباطاً في الجزائر.تُظهر ردود الفعل تجاه الانقلاب في مصر أن الأهم، بعد طول تأمل، يبقى القبول بنتائج صناديق الاقتراع أو رفضها بصفتها مصدر السلطة الوحيد. فيفضل الحكام الملكيون الحكام المستبدين العلمانيين في الجمهوريات العربية على رؤساء إسلاميين ينتخبهم الشعب. ويذكر هذا الواقع بفرضية تزداد رواجاً اليوم، مفادها أن الانقسام السني-الشيعي القديم يظل المحور الأبرز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.Dilip Hiro* مؤلف كتاب Apocalyptic Realm: Jihadists in South Asia.