التعليم... أكثر من علّة
يدور هذه الأيام حديث في أروقة وزارة التربية والتعليم، بشأن إعادة النظر في فكرة "الملف الإنجازي" المطبقة على صفوف المرحلة الابتدائية، أو ربما إعلان إلغائه بشكل كامل خلال الصيف المقبل، وهو الرأي الأرجح. وكانت تصريحات وزير التربية والتعليم العالي نايف الحجرف تأتي في سياق التذمّر من فكرة المشروع برمّته، واستمراره على مدى ثماني سنوات رغم فشله، وإدراك القيادات التربوية، لهذا الفشل والصمت عنه، دون الدعوة إلى إيقافه.وفكرة الملف الإنجازي تقوم في المختصر المفيد على نقل الطلبة في الصفوف الثلاثة الأولى إلى الرابع دون اختبارات، مع الاعتماد على حاسة المعلّم، وإدراكه لإمكانات طلابه، مع الكثير من الورق، وقياس مستوى التلميذ في كل مادة. وكانت النتيجة أن تكدس في الصف الرابع الابتدائي أكوام من التلاميذ لا يستطيعون التمييز بين الأحرف الهجائية، فضلا عن الكتابة أو التعبير الإملائي.
يبدو حديث الوزارة عن هذا الموضوع مثل الصحوة المتأخرة، لكن "أن تصحو متأخرا، خير من ألا تصحو أبداً"، فمخرجات التعليم في مدارس الكويت سيئة جداً، ونحن هنا نتحدث عن مادة أساسية مثل اللغة العربية التي هي أساس القراءة، والكتابة، والتعبير الإنشائي، ومن ثم تشكيل وجدان الطالب علمياً، وقد تلحقها بدرجة أقل مادة اللغة الإنجليزية، ومن ثم المواد العلمية الأساسية. يتعثّر الطلبة في جميع هذه المواد، وبإمكان أحدنا أن يجلس مدة ربع ساعة مع أستاذ جامعي، ليستمع منه لما يعانيه أساتذة الجامعة من طلبة ضِعاف، يفدون إلى صفوف المرحلة الجامعية، وكان طبيعيا أن مرّ هؤلاء على جميع المراحل العلمية الأولية، ومن ثم قُبلوا في الجامعة، بناء على نسبة علمية عالية نسبياً، فكيف حدث ذلك؟... كيف تخرّج هؤلاء، وقُبلوا في الجامعة؟ يخضع التعليم في الكويت لـ"تجريب" لا يتوقّف أبداً، فمن تغيير مستمر في المناهج العلمية، إلى استقدام خبراء، والنظر في آلية التعليم في المرحلة الثانوية، كنظام المقررات، وما شابه، ومن ثم التقسيم المرحلي للصفوف، وإلحاق الصف السادس بالمرحلة المتوسطة، وتأنيث التعليم الابتدائي في بعض المدارس، وأخيرا تغيير المناهج جذريا في السنة المقبلة، وإعادة النظر في تعليم رياض الأطفال، وبحسب خبير بريطاني، استقدم بغرض تقييم مرحلة رياض الأطفال، فإنه لا تعليم في هذه المرحلة، وإن المعلمات يثرثرن بنسبة 80% من عمر الحصة، وإن الأطفال لا يتعلمون شيئاً. قد يكون تقييم الخبير هذا "مبالغاً" بعض الشيء، وبه شيء كثير من القسوة، لكن في الوقت ذاته، علينا الاعتراف بأن وضع التعليم في الكويت متدهور، وبحاجة إلى أكثر من وقفة، للمعالجة والنهوض.قضية أخرى تنبع طبيعيا عن ضعف مستوى الطلاب في المراحل الأولية، وهي المتمثلة في استمرارية هذا الضعف في المرحلة الجامعية، ومن ثمّ اللجوء إلى شراء الأبحاث العلمية الجاهزة من "دكاكين" البحث العلمي، وهي موجودة على مرمى ومسمع من جميع المسؤولين في الجامعة أو الوزارة، والطريف في الأمر أن مسألة شراء الأبحاث هذه قد تنامت بشكل أكبر، بعد زيادة المكافأة الطلابية لطلبة الجامعة، وبلوغها 200 دينار، ذلك بحسب القائمين على دكاكين بيع الأبحاث أنفسهم، أي إن زيادة مكافأة الطالب و"تدليعه"، تأتي بنتيجة عكسية على البحث العلمي، وارتقاء مستوى الطلاب.وكان أساتذة جامعيون قد أثاروا هذه النقطة أكثر من مرة، خصوصا بعد أن لاحظوا ورود البحث ذاته، على مدى عامين متتاليين من أكثر من طالب، فحين يطلب أستاذ الجامعة بحثا عن المتنبي أو البحتري مثلا، يلجأ الطالب إلى أحد المكاتب، التي كانت اشتغلت هذا البحث في السنة السابقة، فترجع إلى طباعته، وبيعه لطالب آخر، مع تغيير اسم الطالب على الغلاف، وهكذا يدور البحث العلمي في دوّامة لا تنتهي.للحديث عن التعليم في الكويت أكثر من وجه وأكثر من باب، لكن تبقى العلة الأساس من دون معالجة حتى اللحظة، لذا وجب النظر جديا في تصريحات الوزير الحجرف، ونكْئِه الجرح لأكثر من مرّة، لعل صحوة تأتي.