طوال الليل في لاهور حتى ساعات الصباح الأولى من 12 مايو، كانت السيارات تعبر مسرعة مطلقةً أبواقها، فيما خرج الشبان من نوافذها للتلويح بالأعلام. كذلك راحت الحشود الفرحة في البنجاب تصيح: "الأسد!"، رمز حزب زعيمهم الفائز. كانت هذه الفرحة مبررة، فلاهور موطن نواز شريف، الذي تبوأ سدة رئاسة الوزراء مرتَين وقد يشغل راهناً هذا المنصب لمرة ثالثة.

Ad

حققت الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز انتصاراً جلياً بعد انتهاء الانتخابات الوطنية والمحلية. مع أن عملية الفرز لم تكن قد انتهت مع صدور هذا المقال، يتمتع هذا الحزب بتقدم واضح، حاصداً نحو 128 مقعداً، ولا ينقصه سوى مقاعد قليلة ليفوز بمئة وسبعة وثلاثين مقعداً، وينال بالتالي أكثرية المقاعد المئتين والاثنين والسبعين في الجمعية الوطنية.

كانت عملية الاقتراع في 11 مايو الأكثر نجاحاً في ذاكرة باكستان العصرية، إذ شهد هذا اليوم أعمال عنف قوية، مع انفجار قنبلة في كراتشي أودت بحياة 11 شخصاً. وتشير بعض التقديرات إلى أن نحو 50 قتيلاً سقطوا في باكستان يوم الانتخابات، بعد حملة انتخابية ذهب خلالها أكثر من 100 قتيل. ولكن مع تهديد "طالبان- باكستان" علانية بإرسال انتحاريين بهدف تعطيل عملية الاقتراع، كان من الممكن أن تكون المسائل أكثر سوءاً.

رغم التهديد باللجوء إلى العنف، كانت الأعداد التي تدفقت إلى صناديق الاقتراع كبيرة، ووقفت عموماً في صفوف منظّمة. تذكر اللجنة الانتخابية أن عدد المقترعين قد يصل إلى 60%، ولا شك أن هذه زيادة كبيرة، مقارنة بنسبة 44% خلال الانتخابات السابقة عام 2008. يشير هذا الواقع إلى مدى تحمس المواطنين الباكستانيين للديمقراطية (ما يناقض الادعاءات خلال استطلاعات الرأي الأخيرة عن أن الباكستانيين لا يأبهون بها)، فضلاً عن أن سجلات المقترعين لا تحتوي على الكثير من "الناخبين المزيّفين"، مثل الموتى أو الأسماء المكررة، التي ملأتها سابقاً. والأهم من ذلك أن الجيش لم يتدخل، على ما يبدو، في عملية الاقتراع، ما شجّع الناخبين على اعتبار المشاركة في الانتخابات تستحق العناء.

بالإضافة إلى ذلك، اتّبع الناخبون الباكستانيون نمطاً مألوفاً، ففي أحد مراكز الاقتراع في لاهور، وصفت أم وابنتها، كلتاهما منقبتان، المصاعب الكثيرة التي تواجه باكستان، فاعتبرت الابنة، طالبة جامعة في عشرينياتها، لاعب الكريكيت السابق، عمران خان القوي الشخصية، رجلاً "صادقاً" سيحمل التغيير إلى باكستان. في المقابل، أملت أمها بشدة فوز شريف، مقرةً بأنها أقنعت ابنتها في اللحظة الأخيرة بالتصويت له.

تساهم هذه الهوة مع الناخبين الشبان، الذين يقترعون للمرة الأولى ويميلون إلى تأييد خان، في تفسير نجاحه. توقع خان فوزاً كبيراً لحركة الإنصاف الباكستانية التي يرأسها، وذلك نتيجة دفق الشبان المتحمسين الذين خضروا تجمعات حملته الانتخابية، إلا أن النتائج لم تأتِ على قدر توقعاته. ويعود ذلك في جزء منه إلى غياب التنظيم، ولكن يبدو أن هذا الحزب، الذي لم يملك أي عضو في الجمعية الوطنية في الانتخابات الماضية، سيؤدي اليوم دور المعارضة الرئيسة، فضلاً عن أنه سيبسط سيطرته على إقليم خيبر بختونخوا في الشمال الغربي، الذي تنتمي أغلبية سكانه إلى البشتون. وقد يتمكن هذا الحزب يوماً ما من السيطرة على الحكم في كامل باكستان، إن استطاع خلال السنوات الخمس التالية الحفاظ على الحماسة التي تلقاها رسالته المناهضة للفساد.

كما هو متوقع، لحقت الخسارة الكبرى في تلك الانتخابات بحزب الشعب الباكستاني الحاكم. صحيح أنه تمكن من الاحتفاظ بسيطرته على إقليم السند في الجنوب، إلا أنه سيحتل، على الأرجح، المرتبة الثالثة بين أحزاب الجمعية الوطنية، حاصداً ما لا يتعدى 40 مقعداً. ولا تُعتبر هذه النتيجة مفاجئة بالنسبة إلى حزب حفل عهده بالفساد، سوء إدارة الاقتصاد، وخمس سنوات من العنف المتفاقم.

لكن ما أعاق هذا الحزب، فضلاً عن حزب آخر علماني، حزب عوامي الوطني، كان الاعتداءات الإرهابية، فقد حالت هذه الأخيرة دون عقد التجمعات الانتخابية وأبقت القادة الخائفين مختبئين وراء الأبواب الموصدة. على سبيل المثال، ذكرت التقارير أن رئيس حزب الشعب الباكستاني الشاب، بيلاوال بوتو زارداري، أقام في دبي خلال الجزء الأكبر من الحملة الانتخابية.

يظهر فوز شريف جلياً، غير أنه سيواجه مجموعة صعبة من المشاكل الفورية في منصبه الجديد، منها الاستياء العام في البنجاب، أكبر الأقاليم وأغناها في البلد يضمن نصف السكان تقريباً، وقد يزدهر خلال السنوات المقبلة. سيطرت الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز على المجال السياسي في البنجاب، وخلال هذه الانتخابات الأخيرة، أُعيدت إلى السلطة مرة أخرى على الصعيد المحلي أيضاً، لكن الأقاليم الثلاثة الأخرى تخضع لسيطرة أحزاب منافسة قد تستخدم الصلاحيات التي يمنحها الدستور للسلطات المحلية كي تعارض الحكومة المركزية.

تتمحور مشكلة شريف التالية حول العلاقة بين القائد المدني الجديد والجيش، أُطيح بشريف من منصبه سابقاً خلال انقلاب عسكري عام 1999، بعد أن كان قد وصل إلى السلطة نتيجة تبدل حماسي مفاجئ في الانتخابات (التي تعرضت لتلاعب جزئي). وعقب غياب دام 14 سنة، تُعتبر طريقة تعاطيه مع الجيش أساسية بالنسبة إلى استقرار باكستان. يتوقع قليلون مواجهة مباشرة بينهما، ولكن إن خسر شريف سلطته الأخلاقية (كثرت الادعاءات المقنعة عن تورطه في أعمال فاسدة خلال فترة حكمه السابقة)، فقد يشعر الجيش (أو المحاكم) أنه يستطيع التصدي له.

علاوة على ذلك، هل يتمسك شريف بموقفه خلال الحملة الانتخابية، معارضاً الجيش لإدانته "الحرب الأميركية" ضد الإسلاميين المتطرفين على الأراضي الباكستانية؟ تُعتبر مسائل، مثل التحدث عن هجمات الطيارات بدون طيار الأميركية في المناطق القبلية أو هجمات الجيش الباكستاني على المناطق ذاتها، بالغة الحساسية. فقد طُرد الصحافي التابع لصحيفة "نيويورك تايمز"، ديكلان والش، من باكستان في 11 مايو، رداً على خبر نُشر في شهر مارس يشير إلى أن الجيش الباكستاني لام الولايات المتحدة على هجمات نفذها هو.

أخيراً، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يستطيع شريف تأمين الاستقرار الاقتصادي في باكستان؟ لا يكاد النمو الاقتصادي يوازي النمو السكاني. وحاولت الحكومة السابقة، التي رأسها حزب الشعب الباكستاني، الحدّ من الفقر، خصوصا في المناطق الريفية، بتحديدها أسعار شراء مرتفعات لمنتجات المزارعين وتخصيصها إعانات شهرية للعائلات الفقيرة. كذلك دعمت الحكومة بعض أشكال الطاقة، خصوصاً الغاز الطبيعي. إلا أنها سمحت للأجزاء المنتِجة من الاقتصاد الباكستاني بالضمور: فقد تعرض قطاع الصناعة، خصوصاً النسيج، لضرر كبير بسبب غياب مصادر الطاقة الموثوق بها، وعلى شريف خلال فترة وجيزة عقد صفقة مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض كبير، ما سيتيح له إجراء إصلاحات في مجال جباية الضريبة وغيره.

سيتطلب هذا اهتماماً كبيراً بالتفاصيل وطريقة حكم ماهرة، ولكن بالنسبة إلى شريف، رجل أعمال سابق يُنتقد أحياناً بسبب زلاته الكثيرة، يكمن التحدي في تأليف فريق من المستشارين الأقوياء. لكن مؤيديه يقارنونه بالرئيس الأميركي السابق رونالد ريغان، ذاكرين أنه يفضل تحديد سياسة واسعة ليترك تفاصيل الإدارة للآخرين.

قد تكون بعض محاولاته للمضي قدماً متوقَّعة. يدرك شريف فوائد الانفتاح على المزيد من التجارة مع الهند وإقامة علاقات ودية أوسع مع هذه الدولة. كذلك يؤيد إنفاق الأموال على إنشاء بنية تحتية ضخمة. لا شك أن كلامه عن "قطار سريع" من كراتشي إلى شمال باكستان حلم، غير أن بعض المشاريع الكبرى، مثل الطاقة المائية، يشكّل أفكاراً جيدة.

هل يسم هذا بداية جديدة مليئة بالأمل في باكستان؟ بعد سنوات من اليأس والحديث عن وقوف باكستان على شفير الهاوية واحتمال تحوّلها إلى دولة فاشلة، يستطيع شريف البدء بعملية التعافي الوطني. يستطيع، مثلاً، الالتفات إلى معارضه الأبرز، خان، واستعارة بعض الأفكار الجديدة التي طرحها. بالإضافة إلى ذلك، بإمكان السياسيين رسم المثال الحسن في القيادة بالبدء بدفع الضرائب، والتحلي بالصدق، والابتعاد عن الفساد. ونظراً إلى التراجع الكبير الذي عانته باكستان أخيراً، فقد تشكّل المرحلة المقبلة بداية التغيير.