لا شك في أن الموضوع الجديد الذي اختاره شاكر النابلسي لكتابه {الجنسانية العربية} أحد أكثر المواضيع إثارة للجدل في العالم العربي، ويذكرنا ببعض المواضيع التي كتب عنها ميشال فوكو وبرز اسمه من خلالها في الفلسفة الأوروبية. لكن ما يفعله النابلسي مختلف تماماً، فهو يكتب بطريقة أقرب الى التعليقات الصحفية ولا تقترب من الفلسفة الفوكوية ولا يغوص في الميدان الاجتماعي بقدر ما يدور في فلك الكتب الصادرة عن هذا الموضوع والأفكار التي طرحت في هذا الشأن.

Ad

 ومن خلال فهرس كتاب النابلسي نلحظ كم هي غنية المكتبة العربية بالأفكار الجنسية التي تطرق إليها الباحثون العرب قديماً بطريقة جريئة. أما اليوم فهم ينظرون إليها خائفين من مضمونها ومن طريقة تناولها.

وفي الجزء الأول المعنون بـــ  {الجنس والحضارة}، نقرأ: {الفاتحة، العالم والجنس، العرب والجنس، الإسلام والجنس، الشاعر اللوطي: أبو نواس، المرأة والحب، المرأة والجنس، رغيف الرجل، الملحق، المصادر العربية، المصادر الأجنبية}.

وفي الجزء الثاني المعنون بــــ {متعة الولدان وحب الغلمان}، نقرأ: {الفاتحة، فلسفة الجنس، الثقافة والجنس، في المعاني الجنسية، اللذة العمياء، في تجليات الحب مع الشاعر الحاج والمفكر حرب، حبُّ الشاعر، الملحق، المصادر العربية، المصادر الأجنبية}.

ضرورة تاريخية

قال النابلسي في مقدمة الجزء الأول: {معرفة الجنس، ضرورة تاريخية وأخلاقية. فنحن نجد أنفسنا في قلب معركة حيوية، من أجل مراجعة تاريخ طويل من القمع، الذي خنق الحاجة الجنسية المميزة للكائن البشري، عن التعبير عن رغباتها.

يؤكد معظم الباحثين، وجود نظرية جنسية تقليدية سائدة ومتماسكة، تعود صياغتها إلى القرون الوسطى على أيدي العلماء المسلمين. وتلخّص فاطمة المرنيسي الباحثة المغربية، التصور الإسلامي التقليدي للجنس، وتشبهه إلى حد كبير بمفهوم فرويد للجنس، واعتبار الغريزة الخام هي مصدر الطاقة. وليست للغرائز الجنسية مضامين صالحة، أو شريرة، إلا بقدر ما تخدم نظاماً اجتماعياً معيناً.

وحيث أن الجنس في الشرق الأوسط، وفي أي مكان آخر من العالم، هو المركب الأساسي للهوية الشخصية، فإنه من المفيد أن نعرف كيف نظرت المرأة العربية إلى نفسها، وإلى دورها الجنسي، على ضوء النظرية الجنسية السائدة».

وقال في مقدمة الجزء الثاني: «كان الجنس دائماً هو المكان الذي تنعقد فيه {حقيقة} الذات الإنسانية، في نفس الوقت الذي تنعقد فيه صيرورة نوعنا.

ولسنوات خلت، كان المؤرخون فخورين لاكتشافهم، أنه باستطاعتهم التأريخ لا للمعارك والمؤسسات والملوك فقط، بل وللاقتصاد كذلك. وها هم مشدودون اليوم، لأن أكثرهم عَلِمَ أن التاريخ هو تاريخ العواطف، والسلوك، والأجسام كذلك.

من الصعب أن نستخلص تاريخاً مستمراً للحياة الجنسية.

في السبعينيات من القرن الماضي، ظهرت نظريتان متعارضتان.

الأولى، يقودها ادوارد شورتر، تدافع عن فكرة التصاعد التدريجي لدرجة الحرية الجنسية عبر العصور، والثانية، بقيادة جان لويس فلاندران، تؤكد وجود قمع جنسي متصاعد بين القرنين السادس عشر، والتاسع عشر.

واقترحَ، وسطياً، ميشيل فوكو قراءة توفيقية، فقال، بعدم وجود حياة جنسية لها تعريفات ثابتة، لمحتواها، ومعانيها، وإنما كان بناء هذه الحياة الجنسية، خاصاً بكل عصر.

وهكذا، فبين تهميش الجسد من قِبَل الكنيسة، وبين الطب الجنسي، ثم الاستراتيجيات الديموغرافية في القرن التاسع عشر، فإن تاريخ الحياة الجنسية لا يُختصر بالمسموح والمحرَّم، وإنما يتعلق ببناء الحياة الجنسية الحديثة...

ذلك كله لنقول إن ما نسميه {الحرية الجنسية} يتعلق أولاً، بما نعنيه بالحياة الجنسية.»