خريف المثقف

نشر في 22-09-2013
آخر تحديث 22-09-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري في الأزمات الكبرى التي تمر بها الأوطان تتساقط الكثير من الأقنعة دون أن تفقد الحجة في تبرير هذا السقوط. وحين تتكشف المواقف يصاب القارئ بالصدمة وهو يرى رمزا أدبيا يقف مع سلطة غاشمة ودكتاتورية كمن مارس عليه ما يشبه الخداع البصري أو اللفظي لعقود طويلة هي عمر هذه الدكتاتورية البغيضة. وكي لا نتجنى على أحد فلنبحث أسباب هذا التردي في الموقف والذي لم يجد فيه المثقف "الكبير" غير موقفه المنحاز للسلطة كي يتخذه.

السبب الأهم هو انضواء المؤسسة الثقافية في الأوطان العربية تحت جناح السلطة واضطرار المثقف لكسب عيشه من العمل في مؤسسات كان يفترض أن تكون خالصة للشعب بكل أطيافه. أغلب الجوائز في العالم العربي تحت رعاية الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر. وزارات الاعلام ووزارات الثقافة هي مؤسسات دولة كوزارات المالية والداخلية وغيرها وهي الملاذ الوحيد لعمل المثقف. الصحف الرسمية التي تدعي أنها ليست كذلك تقع تحت رحمة الدولة، ان تمويلا أو توجيها.

جميع القنوات – بما فيها قنوات الغناء وقنوات الدعوة بأطيافها – تمول من الدولة أو من رجالات الدولة. المؤتمرات الثقافية ومعارض الكتب والأنشطة التي تقوم على هامش تلك المعارض وضيوف الأنشطة ودراساتهم وبحوثهم تمول من أموال هذه المؤسسات الرسمية. وقد لا يكون حرص المثقف وتكالبه على حضور هذه المؤتمرات والندوات اخلاصا لعمله بقدر اخلاصه لمنفعته.

في وضع كهذا يعيشه المثقف وهو يدرك جيدا أنه تحت عباءة السلطة ولو اتخذت المؤسسات صورا وهمية واكتسبت أسماء مختلفة لا تنطلي على العوام حتى تنطلي عليه، فبالتأكيد سيرفض الربيع العربي وسيرفض حتى الصورة الديمقراطية الغربية التى يراها مثالا جيدا ويرفض أن يعيش فيها. أما لمعرفة لماذا، فسأضرب مثالا في كندا البلد الذي أعيش فيه منذ 2001.

منذ خروجي من عباءة الهندسة الى دراسة الأدب الانكليزي في كندا في ذلك العام وأنا أتابع الحياة الثقافية وأقارنها بالحياة العربية. لا توجد هنا وزارة اعلام وثقافة ولا يدفع الكندي من ضرائبه تمويلا لمؤتمر ثقافي أو معرض كتاب ولا تشتري وزارة ما نسخا من مؤلفات الكاتب ولا تمنحه جائزة عدا جائزة ممثل الملكة وهي رمزية أكثر منها مالية.

يجتمع المثقفون والكتاب في حانة يتبادلون أشعارهم وكتاباتهم كل أسبوعين مرة. على الكاتب أن يجد طريقه الى القارئ والناقد بجهده الذاتي فاذا لم ينشر كتابا يوزع أكثر من مائة ألف نسخة فعليه أن يبحث عن وظيفة يعتاش منها.

أغلب المؤتمرات والندوات الثقافية تديرها الجامعات الخاصة التي تستضيف شخصية واحدة كل عام. ويعمل أغلب الشعراء والنقاد في مجلات جامعية ودوريات محكمة وصحف مملوكة للقطاع الخاص أو أساتذة ومساعدي أساتذة اذا كانوا أكاديميين أو في أعمال خدمية للقطاع الخاص ان لم يكونوا كذلك.

هذه الصورة يعرفها المثقف العربي الذي لو اقتصر الأمر على قرائه وبيع كتبه لما وجد ما يسد رمقه. ولذلك هو حريص على بقاء المؤسسة التى تحتضنها الدولة والمؤسسات الوهمية التي تصرف عليها الدولة. لا يتسع المقال للأمثلة لأنها كثيرة وليس أدونيس وسعدي يوسف وجابر عصفور الا نماذج قليلة وان كانت مهمة لثقلها الابداعي.

ولست ألومهم لأنهم نتاج ما كانوا يرونه ربيعهم واخراجهم من عباءة المؤسسة وجوائزها وندواتها وهباتها يعني دون شك أن الربيع يستهدفهم بالذات وبقاء القناع أفضل من التخلي عنه. وكنت أفضل أن يصمتوا، كان ذلك خيرا لهم، ولكن حتى كشف أقنعتهم كان له ثمن أو سداد لدين.

back to top