المشهد في دول الخليج العربي، وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي، يعكس ارتياحاً ملحوظاً من نتائج ما انتهى إليه الربيع العربي، وحالة سرور من أنظمتها، في ما عدا مملكة البحرين، من مرور موجة الربيع العربي بأقل الخسائر الممكنة عليها، لاسيما بعد تطور أحداث الثورة في مصر، بسبب الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الإخوان المسلمون في أعقاب ثورة 25 يناير، واندفاعهم غير المدروس للاستيلاء على الحكم ومؤسسات الدولة المصرية، وكذلك أوضاع الثورة السورية التي تحولت إلى نزاع طائفي بسبب تدخل طهران في الشام، ما يجعل الشعوب الخليجية تصطف خلف حكامها الحاليين لمواجهة الخطر الإيراني.

Ad

قراءة الأنظمة الخليجية للتطورات الحالية الإيجابية لمصلحتها، واستخلاصها بأنها تجاوزت مرحلة خطر زلزال الربيع العربي، كما فعلت من قبل في الفترة الناصرية، عندما تخطت موجة الثورات القومية التي أطاحت بعروش الأسر الملكية والوراثية في مصر والعراق وليبيا واليمن، لذا فإن برامج الإصلاحات التي كان يروج لها زعماء دول مجلس التعاون الخليجي قد تراجعت بشدة، بل اختفت وتلاشت في غياهب النسيان، والهيئات التي أنشئت لمكافحة الفساد وكشف الذمة المالية ومحاربة الجمع بين "التجارة والحكم" أُربكت عن عمد في بيروقراطية اللوائح والنظم، وسينتهي بها المطاف إلى مؤسسات "ديكور" تقوم بمهامها بأدنى حد وبشكل رمزي وغير جدي.

وفي الكويت، التي أتابع أحوالها كمتخصص ومعني بالشأن العام فيها، فإن السُلطة بعد أن تجاوزت مرحلة ما أطلق عليه "الحراك الشعبي" بانتصار بارز، بسبب الأخطاء الرهيبة لذلك الحراك، واعتماده على قواعد طائفية وقبلية، وخضوعه لنزعات شخصية لرموزه، جعلت السُلطة في حالة استرخاء وعدم مبالاة قادتها مرة أخرى لنفس ممارساتها السلبية السابقة، واللعب مع أطراف تحالفاتها القديمة التي تتداول عليها ضمن مناوراتها السياسية الخطيرة التي تفرز حالياً حالة السخط الشعبي المتنامي بسبب تفجر قضايا فساد كبيرة، كان آخرها تأخر مشاريع حيوية عن الإنجاز في موعدها، مثل مستشفى جابر، وإلغاء بناء 4 مستشفيات جديدة، والكلفة المبالغ فيها لمشاريع صغيرة، كما راج عن مشروع "فتحة الجابرية"، وانفجار قضايا الإسكان، وتضخم إيجارات السكن الخاص، وتلاشي شعارات التنمية والمشاريع الكبرى دون إنجاز، إضافة إلى طريقة تعيينات المجلس البلدي مؤخراً التي ترسخ العقلية التقليدية للسُلطة.

وضع الأنظمة الخليجية بعد توقف هزات زلزال الربيع العربي، وما آل إليه حال الدول العربية، التي مر بها ذلك الزلزال، يعتبر رائعاً ومطمئناً للأسر الملكية الخليجية، لكن المتفحص للأمور يجب أن يعلم أن مرحلة التغيرات الكبرى في المنطقة ليست في نهايتها، بل مازالت في بداياتها، وعليه يجب أن تحذر أنظمة الخليج العربي من الهزات الارتدادية التي ربما تضرب منطقتنا، ويكون وقعها أشد وأقسى مما حدث لدى الآخرين، فمازال جيل الشباب الخليجي لم ير إصلاحات جدية في أوطانه في ما يخص استقلال القضاء، وكشف الذمة المالية، وفصل مالية الدولة عن السُلطة، وكذلك التجارة عن الحكم، وتحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع المنصف للثروة التي تتراكم لدى حكوماتهم، ومازال هذا الجيل قلقاً على مستقبله والتطورات التي قد تحدث في سوق الطاقة، الذي يمكن أن يهدد دخله الوحيد من النفط، لذا فإن حالة الاسترخاء، التي تعيشها أنظمة الخليج، تخفي حالة أخرى من الغليان تحت السطح قد تنفجر في أي لحظة.