عرض مسؤولون بارزون في إدارة أوباما صورة قاتمة وحتى مخيفة عن التطورات في سورية خلال شهادتهم أمام الكونغرس قبل أيام، فقد ذكروا أن شهر مارس كان الأكثر ضراوة في هذا البلد الذي يعاني حرباً أهلية، فقد تخطت حصيلة القتلى الستين ألفاً، في حين أن ربع الشعب السوري البالغ عدده 22 مليون نسمة هُجّر. قالت إليزابيث جونز، نائبة وزير الخارجية الأميركي بالوكالة: "ما بدأ كمطالبة سلمية بالكرامة والحرية تحوّل إلى أحد الصراعات الأكثر دموية في القرن الحادي والعشرين".

Ad

لكن الأسوأ من ذلك أن المجتمع الاستخباراتي يعتبر في تقييمه الوضع في سورية أن الحرب لن تنتهي حتى لو سقط نظام بشار الأسد. يذكر جيمس كلابر الابن، مدير المخابرات الوطنية: "سيتواصل التنافس والصراع الطائفيان طوال ما لا يقل عن سنة إلى سنة ونصف السنة"، ولا شك أن لهوية الفائز أهمية كبرى لأننا نشهد اليوم "منافسة محتدمة بين المتطرفين والمعتدلين"، على حد تعبير روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة إلى سورية.

يشمل المتطرفون "جبهة النصرة"، وهي فرع من فروع تنظيم "القاعدة" أعلن الأسبوع الماضي ولاءه لخلف أسامة بن لادن، أيمن الظواهري، وأكد أنه سيعمل تحت القيادة الموحدة لتنظيم "القاعدة في العراق". تسيطر هذه المجموعة راهناً على بلدات وبنى تحتية أساسية في شمال شرق سورية. وذكر كلابر أنها تنشط في 13 محافظة من محافظات سورية الأربع عشرة و"تنافس مجموعات أخرى لا توازيها قوةً". ولا تشكل هذه المجموعة المتطرفة الوحيدة في سورية: فيقاتل إلى جانب النظام، حسبما أفاد فورد، عدد من مقاتلي الميليشيات الشيعية من إيران، والعراق، و"حزب الله" في لبنان.

لذلك لخّص جون برينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، الوضع بقوله: "أشعر بالقلق حيال تفكك سورية على هذا النحو، ما يتيح لبعض المجموعات، مثل "جبهة النصرة"، أن تزداد قوة، لأنها تملك أجندات داخل سورية وربما خارجها. وأعتقد أن هذه الأجندات تتضارب مع مصالح الولايات المتحدة الأمنية القومية". ومن المخاطر الكبرى التي تواجهها سورية اليوم أن يسيطر تنظيم "القاعدة" أو "حزب الله" على ترسانة سورية الكبيرة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الفتاكة.

إذن، ما خطة الإدارة الأميركية للدفاع عن المصالح الأميركية؟ في هذا المجال جاءت شهادة المسؤولين مبهمة ومتناقضة بقدر ما كانت واضحة وصريحة في وصفها الوضع السوري. ذكر فورد أن الإدارة ما زالت تعوّل على "عملية انتقالية سياسية يجري التفاوض بشأنها" ويتخلى فيها الأسد طوعاً عن الحكم، إلا أن كلابر أعلن أن المجتمع الاستخباراتي يتوقع أن يشمل "السيناريو الأكثر احتمالاً" صراعاً دموياً بين الفصائل، لا عملية انتقال تؤدي إليها المفاوضات. وعن الأسد ذكر كلابر: "يعتقد من وجهة نظره أنه يتمتع بالأفضلية في القتال. كذلك قال إنه وُلد في سورية وسيموت فيها". بكلمات أخرى، تبدو عملية الانتقال السياسية التي يجري التفاوض بشأنها وهماً.

أما فورد، فقال: "علينا أن ندعم مَن يروجون للحرية والتسامح". لكنه شدد أيضاً على أن الإدارة تعارض تقديم "دعم فتاك" لأي قوى سورية، رغم الأسلحة والمقاتلين، الذين أشار فورد إلى أن إيران تزود بهم النظام، والقدرة العسكرية المتنامية لتنظيم "القاعدة" التي تحدث عنها كلابر. ماذا يعني كل ذلك؟ من الأهمية بمكان أن تفوز القوى المعتدلة في سورية، إلا أننا نرفض التصدي للدعم العسكري الذي يحظى به المتطرفون.

عبّر أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين عن استيائهم من هذه السياسة المبهمة، إلا أن هذا الاستياء لم يكن بالقدر الذي تستحقه سلبية أوباما العنيدة. سئل كلابر عما إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين لتأمين مواقع الأسلحة الكيماوية في سورية. فأجاب: "يعتمد ذلك إلى حدّ كبير على الظروف"، ولا شك أن جوابه هذا ليس مطمئناً البتة.