أستخدم شبكات التواصل الاجتماعي منذ سنوات، وتزايد استخدامي لشبكة "تويتر" على وجه الخصوص في السنتين الأخيرتين، وقد تجاوزت الاستخدام التقليدي لهذه الشبكات إلى الحرص على البحث والاطلاع على كل ما ينشر حولها. ولا أزال تتبدى لي فيها وعنها الكثير من الأمور الجديدة التي لم تكن تدور في الأذهان سابقاً، بل لعلها لم تكن لتخطر حتى على بال من قاموا بتأسيس هذه الشبكات.
يحلو لي اليوم أن أنظر إلى هذه الشبكات وكأنها بالفعل شبكات ممتدة ومكونة من ملايين الخطوط والخيوط، شبكات خام قام المستخدمون أنفسهم بملئها بكل ما لديهم، مما حلا وبدا لهم، بلا رابط أو ضابط، وهنا يكمن سر قوة هذه الشبكات التي ستكبر يوماً بعد يوم، والناس في الحقيقة هم من صنعوا نجاح هذه الشبكات، لا مؤسسوها.الحديث عن أبعاد هذه الشبكات كثير جداً ويطول، ولن أحاول حتى مس أطرافه، لأنه كالبحر المتلاطم، وأدرك أني إن فعلت فلن ألبث حتى أكون قد أبحرت بعيداً فيه... لكنني سألمس ساحلاً واحداً منه فحسب.لعل أغلب من يتابعون أو يستخدمون هذه الشبكات قد صاروا يدركون اليوم أنها أصبحت تستخدم للتعرف إلى سير الناس، وإلى أفكارهم من خلال ما يكتبونه وينشرونه ويبثونه فيها. صارت جهات العمل، على سبيل المثال، تحرص على متابعة ما ينشره ويبثه موظفوها في هذه الشبكات، وما كتبه ونشره من يتقدمون للتوظف عندها، وذلك للاطلاع عليهم عن كثب قبل اتخاذ قرار بشأن توظيفهم، وثارت على هامش الأمر الكثير من الدعاوى القضائية في الغرب، ولا أستبعد أنها ستحل بدارنا قريباً إن لم تكن قد حلت. وكذلك، وهذه من الطرائف الحقيقية بالمناسبة، صار كثير من الناس يبحثون في سير المتقدمين للزواج من بناتهم، من خلال هذه الشبكات الاجتماعية، وهناك بالفعل من تم رفض خطبتهم بعدما وجد عليهم ما يشين في "فيسبوك" أو"تويتر"!هذا كله قد صار اليوم معروفاً، وسيصبح أكثر وضوحاً عندنا، أعني في عالمنا العربي، في قادم الأيام ولا شك.الأمر الذي تبدى لي أخيراً واستوقفني كثيراً هو أن هذه الشبكات قد أضحت سجلاً تاريخياً حافظاً لكل ما يطرحه الناس فيها، في حياتهم ومن بعد رحيلهم.حين يرحل الناس عن هذه الفانية في الماضي، كانوا لا يتركون من خلفهم إلا ما شيدوه وأقاموه، وكذلك سيرتهم في ذاكرة الأحياء يتناقلونها، إما خيراً وإما شراً، وأولئك القلة الذين كانوا من الكتّاب، يتركون خلفهم ما خطته أقلامهم، كذلك إما خيراً وإما شراً، لكن اليوم تغيرت الأمور، وصار كل مشارك في هذه الشبكات بمنزلة الكاتب. حين يرحل، وكلنا راحلون، سيترك خلفه مئات وربما آلاف الكلمات، لتظل شاهدة عليه أمام الناس، ويا له من أمر مخيف، حيث لم يعد ممكناً المراهنة على ضعف ذاكرة الناس، وأنهم قد ينسون!شهدت شخصياً خلال الفترة الماضية وفاة عدة أشخاص ممن كانوا معنا في الشبكات الاجتماعية، وكان الناس في كل مرة يذهبون سراعاً لتصفح وقراءة ما كان كتبه الراحلون في "فيسبوك" و"تويتر"، وتناوله وتداوله. في واحدة من الحالات، ومن شدة سوء ما كان تركه الراحل، سعى البعض إلى التواصل مع شركة "تويتر" لإغلاق الحساب ومسح التغريدات، فما أفلحوا وللأسف، وفي حالات أخرى كان الناس يعيدون نشر ما كان تركه الراحل من كلمات وعبارات طيبة.هذه الشبكات صارت اليوم أكثر من مجرد وسائط للتواصل، فهي ليست كخطوط الهاتف، بل هي أكثر من ذلك بكثير جداً. إنها سجل سيظل خالداً عبر السنوات الطويلة المقبلة، وسيظل مكشوفاً مشاهداً لكل من سيأتون لقراءته من بعدنا، لذلك فهل سأكون مصيباً إن قلت بضرورة أن يحرص الإنسان على ألا يخط فيها إلا ما كان سيفخر به حياً وميتاً؟!
مقالات
«تويتر» سجل الراحلين!
08-08-2013