اختلف معي الأخ العزيز الكاتب الكبير د. محمد لطفي في مقاله أمس الأول حول تفسير المادة (170) من الدستور المصري، التي تنص على عدم قابلية القضاة للعزل، فاعتبر أن هذا النص لا يحتمل التأويل الذي ذهبت إليه في مقالي الأحد الماضي، عندما قلت إن مشروع القانون المطروح الآن على مجلس الشورى بخفض سن القضاة من سن السبعين إلى سن الستين يهدر هذه الضمانة الجوهرية ويخالف الدستور.

Ad

فهو يرى أن الدستور لو قصد ذلك لأضاف كلمة أو عبارة، واعتبر تفسيري محاكمة للنوايا، وهو أمر لم يعهده من قبل في ما أكتب، ولم يعهده في قضاء مصر الشامخ.

ومع كل التقدير والاحترام لشخص الأخ العزيز د. محمد لطفي، و"اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية" وله ثواب الاجتهاد، إن أصاب أجران، وإن أخطأ أجر، إلا أن ما ألزمني بأن أعود إلى تفسير أحكام هذه المادة، ما اختتم به مقاله من نداء يقول فيه: "إلى كل مصري لا تجعل كرهك للإخوان أكبر من حبك لمصر... ولا تجعل انتماءك إلى الإخوان أكبر من انتمائك إلى مصر".  حاشا والله أن يكون تفسيري للنص كرهاً في الإخوان، فأنا مدين في تفسيري لربي ولنفسي بما أعتقد أنه الحق الخالص، سواء وافق تفسيري هوى الإخوان أو انحرف عنه. يقول الله تعالى في محكم كتابه "ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى".

 ولكن ما غاب عن الأخ العزيز والدكتور الجليل والكاتب الكبير في تفسير المادة (170) من الدستور ما يلي:

1- من قواعد أصول الفقه التي وضعها علماء الأصول في تفسير النصوص الشرعية، وهي من التراث الإنساني الذي ورثناه عنهم في تفسير النصوص الوضعية، هو الاعتداد بالمعنى الظاهر من النص، بدلالة عباراته، وعزل الشخص في معاجم اللغة "أبعده ونحاه"، ولا يخرج تخفيض سن تقاعد رجال القضاة عن معنى إبعاد وتنحية من يزيد على هذه السن.

والأصل العام– في فقه الأصول– عدم صرف النص التشريعي عن المعنى الظاهر للحكم، أو تخصيص الحكم العام أو تقييد الحكم المطلق إلا بمخصص أو مقيد من النص ذاته.

2- ويطل علينا الفصل الثالث من مشروع الإعلان العالمي لاستقلال القضاة، الذي وضعته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بنص المادة (18) التي تحظر تغيير سن التقاعد بالنسبة إلى القضاة المباشرين دون موافقتهم، انطلاقا من أن تخفيض سن تقاعد القضاة، يهدر الضمانة الجوهرية للقضاة في عدم قابليتهم للعزل.

3- وتطل علينا مجلة الأحكام العدلية، التي وضعها علماء الأصول والتي كانت مطبقة في الكويت حتى عام 1981، بالقاعدة الأولى التي وضعها هؤلاء العلماء، والتي تقول إن الأمور بمقاصدها، بمعنى أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو مقصود من هذا الأمر، فليس في الأمر محاكمة للنوايا.

فإذا كان عزل القضاة الذين يزيدون على سن الستين في حب مصر، فلماذا غاب حب مصر عن الإخوان عندما عزلوا القضاة الذين يقلون عن الستين من قضاة المحكمة الدستورية بنص المادة 233 من الدستور، وأبقوا على من جاوزوا سن الستين بعد أن حدد الدستور عدد قضاة المحكمة بأحد عشر عضواً.

4- وإذا كان الهدف من عزل 3500 قاض من الخبرات العظيمة التي تعتز بها مصر هو إفساح المجال لشباب الجماعة ليحلوا محل من يتم عزلهم، فإن درء المفاسد أولى من جلب المنافع.