خطة «إخوان» مصر؟

نشر في 22-09-2013 | 00:01
آخر تحديث 22-09-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز لم يُسلّم تنظيم "الإخوان" حتى اللحظة الراهنة بالهزيمة، ويبدو أنه لم يفهم، أو لا يريد أن يفهم، ما جرى في 30 يونيو الفائت على النحو السليم.

لقد هزم الشعب المصري المشروع السياسي لتنظيم "الإخوان" والجماعات الدينية المتشددة المتحالفة معه، حين خرجت أعداد قُدرت بعشرات الملايين في مناطق عديدة من البلاد، مطالبة بإطاحة حكم مرسي وتعطيل الدستور. وحين استجابت القوات المسلحة والقوى الوطنية والقيادات الروحية والجماعات السياسية المختلفة لمطالب الجماهير، وتدخلت لإنقاذ الموقف، عبر طرح "خريطة طريق المستقبل"، التي ترسم الخطوات المحددة للوصول إلى دولة ديمقراطية ذات سلطات منتخبة بشكل عادل ونزيه في أقل من عام، لم يرض تنظيم "الإخوان"، وبدأ بالضغط على العملية الانتقالية الجديدة عبر ممارسات العنف والإرهاب، خصوصاً من خلال التجمعين غير السلميين في "رابعة" والنهضة". لذلك، فقد دعا وزير الدفاع السيسي الجماهير إلى "تفويضه" لمواجهة إرهاب التنظيم وحلفائه، وهو ما جرى فعلاً بصورة مذهلة يوم 26 يوليو الماضي، وهو اليوم الذي خرج فيه عشرات الملايين من المصريين إلى الشوارع مطالبين القوات المسلحة بالتصدي للعمليات الإرهابية.

كان من الممكن أن يفهم تنظيم "الإخوان" أن تجربته في الحكم كانت فاشلة وعاجزة ومستبدة بما يحول دون استمرارها، لكنه لم يفهم.

وكان من المتوقع أن تدرك قيادات التنظيم أن خروج عشرات الملايين إلى الشوارع في إصرار بالغ على إطاحة حكمهم تعكس إرادة وطنية لا يمكن كسرها أو مقاومتها، لكن هذا أيضاً لم يحدث.  وكان من المأمول أن تتجاوب قيادات التنظيم مع نداءات الدولة وبعض القوى السياسية للعودة إلى المسار الوطني، والمشاركة في تفعيل "خريطة الطريق"، ونبذ العنف والإرهاب، وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، والانخراط في المنافسات النزيهة من خلال العمليات الانتخابية المقررة، والمساهمة في تعديل الدستور، لكن هذا أيضاً لم يحدث.

ما الذي يريده "الإخوان" إذن؟ تقول قيادات "الإخوان" عند الإجابة عن هذا السؤال: "نريد عودة الشرعية". يمكن فهم هذا النوع من الإجابة بأنه "إعلان حرب" على الوضع الجديد في مصر. الجميع يعرف أن عودة مرسي مسألة مستحيلة، ليس فقط لأنه يخضع لمحاكمة يواجه خلالها اتهامات جدية، ولا لأن عشرات ملايين المصريين ثاروا ضد حكمه، ولا لأنه لم يكن يحكم أصلاً إنما كان مجرد واجهة أو "سكرتير تنفيذي" أو مندوب لتنظيم "الإخوان" في القصر الرئاسي، ولكن أيضاً لأن الدولة أوشكت على الانهيار في عهده.

كيف يعود مرسي وقد أخذ الدولة إلى أقصى درجات الفشل، وسحب المجتمع إلى مواجهة تاريخية واستقطاب حاد، وأخفق في صيانة أهم عاملين من عوامل البقاء للدولة المصرية؛ أي الوحدة الوطنية ومياه النيل، والأهم من ذلك أنه بات في ليلته الأخيرة في "قصر الاتحادية" رغم إرادة عشرات ملايين المصريين، وأجهزة الدولة كلها، والقوات المسلحة، والشرطة، والقضاء، والإعلام، والمجتمع المدني، والقوى الوطنية السياسية من أقصى اليسار إلى يمين الوسط، بما فيها بعض القوى السياسية في اليمين الديني المتشدد مثل "حزب النور". لماذا لا يريد "الإخوان" القبول بالمشاركة في الأوضاع الجديدة في مصر، وهي أوضاع تعد بالديمقراطية وعدم الإقصاء على أي حال؟ ولماذا يعلقون مشاركتهم على طلب يبدو مستحيلاً وغير واقعي بالمرة؟ الإجابة عن هذا السؤال تتصل بأن "الإخوان" أدركوا أن عودتهم إلى المنافسة السياسية في المستقبل لن تمكنهم من حصد الأصوات التي كانوا يحصلون عليها في المرات السابقة، بعدما اكتشف الجمهور الذي كان يصوت لهم حقيقتين؛ أولاهما أن حديث "الإخوان" عن أنهم يمثلون مشروعاً إسلامياً للحكم ليس سوى "ادعاء كاذب"، اتضح كذبه بعدما وصلوا فعلاً إلى الحكم واستقروا فيه سنة كاملة من دون أي إشارة تفيد إخلاصهم لهذا المفهوم، الذي صدعوا رؤوس الناس به لعقود. والحقيقة الثانية تتصل بأن الجمهور المغرر به الذي كان يعتقد أن "الإخوان" يمتلكون مشروعاً لـ"النهضة"، أو رؤية للحكم، أو حتى عقل سياسي سليم، اكتشف أنهم بلا أي خبرة أو كفاءة أو قدرة على تسيير أمور دولة كبيرة مثل مصر، والأهم من ذلك أنه اكتشف أيضاً أنهم بلا أي وازع أخلاقي يمنعهم من الاستمرار في الاستئثار بالسلطة التي لا يجيدون التحكم فيها، أو يضغط عليهم ليعترفوا بحاجتهم إلى إشراك الآخرين، من غير جماعتهم، في محاولة حل المشكلات التي تعانيها البلاد. اكتشف الجمهور هاتين الحقيقتين، وفقد "الإخوان" ذرائعهم التي كانوا يتشدقون بها؛ فهم ليسوا "أصحاب مشروع إسلامي"، وإلا لكان قد ظهر خلال فترة حكمهم، التي استدانوا فيها قروضاً بفوائد، ورخصوا للمراقص ومحال الخمور، وعارضوا السلفيين حين أرادوا تضمين دستور 2012 مواد أكثر "إسلامية". انكشفت حقيقة "الإخوان" حيال إسرائيل أيضاً؛ فقد تعاملوا معها بأفضل مما تعامل نظام مبارك، حتى أشاد الإسرائيليون بتعاونهم ومدح الأميركيون جهودهم في هذا الصدد، ولم يقصر مرسي تحديداً في إثبات ولائه لهذا التعاون، خصوصاً عندما أرسل رسالته الشهيرة لبيريز مخاطباً إياه فيها بـ"الصديق الوفي"، ومتمنياً لـ"دولته الصديقة" الرفاه. فقد "الإخوان" ذرائعهم إذن، ولم يعد لديهم فرصة للحصول على ثقة الشعب المصري، ولم يعد بحوزتهم سوى أصوات أعضاء التنظيم، وبعض التنظيمات الدينية المتشددة الأخرى على يمينه، وبعض أصحاب الأصوات التي يمكن شراؤها بالمال أو زجاجات الزيت وأكياس السكر، وبعض ما يمكن الحصول عليه من خلال عمليات تزوير محدودة وناعمة يتقنون القيام بها، وهي جميعها أصوات لا تضعهم في مركز جيد، إنما قد تبقيهم فقط على هامش الحياة السياسية، في الحجم الذي يمثلونه فعلاً، بعدما تكون مشاركتهم قد أعطت العملية السياسية الجديدة المزيد من الشرعية، وحرمتهم من مناصرة التيارات الدينية الأكثر تشدداً وميلاً لاستخدام العنف. لذلك فقد قرر "الإخوان" عدم المشاركة بعد إجراء الحسابات الدقيقة، وفي المقابل كان لا بد أن يكون هناك ما يفعلونه في هذا الوقت بالذات، فما الذي يفعله "الإخوان" راهنا؟

لم أطلع بالطبع على خطة "الإخوان" المكتوبة لمواجهة الوضع الصعب الراهن، لكنني أفعل ما يمكن أن يفعله أي مشاهد مهتم لمباراة كرة قدم، حين يقرأ خطة المدرب من خلال رصده وتحليله لتحركات اللاعبين.

يظهر من تحركات "لاعبي الإخوان" أنهم قرروا الامتناع عن الاعتراف بما جرى في 30 يونيو بوصفه ثورة شعبية أو موجة ثورية، بل أيضاً محاولة الطعن في ما جرى، والتقليل منه، وبالتالي العمل على سحب الشرعية عن كل ما يتمخض عن ذلك اليوم من استحقاقات سياسية جوهرية.

قرر "الإخوان" أيضاً إبعاد مرسي بقدر الإمكان عن الصورة، والاكتفاء بالمطالبة بعودة "الشرعية"، لأنهم أدركوا أن المطالبة بعودة رئيس على هذا النحو من العجز والفشل ليست مجدية، كما قرروا إبقاء الحالة المصرية "على شعلة الموقد" دائماً، بمعنى أنهم سيوزعون جهودهم ومواردهم لإبقاء حالة التظاهر وعدم الاستقرار في الشارع لأطول فترة ممكنة، وهم سيحاولون جاهدين استدراج السلطات إلى صراعات مسلحة تسيل فيها دماء من سيقولون لاحقاً إنهم "متظاهرون سلميون"، بهدف كسب الرأي العالمي، وتكريس صورة "الانقلاب العسكري الدموي". سيتعاون "الإخوان" في ذلك بالطبع مع حلفاء لهم في اليمين الديني المتشدد، وجماعات إرهابية خارجية وداخلية وصلت إلى سيناء واستوطنت في عهد مرسي، ومع حلفائهم الدوليين، وبعض القوى الدولية والإقليمية التي توفر لهم الدعم الإعلامي واللوجستي وتمدهم بالمال، وسيشن "الإخوان" أو ينظمون أو ينسقون أو يباركون أو يبررون عمليات إرهابية ضد الجيش والشرطة والمواطنين المصريين، بغرض الضغط على الدولة، وإشاعة مجال من الخوف والإحباط النفسي وإرهاق المواطنين. يرى "الإخوان" وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون أن خطتهم تلك يمكن أن تنجح نجاحاً باهراً عندما تشل الدولة وتسقطها كالثمرة المعطوبة في أيديهم، ليعودوا مرة أخرى إلى الحكم، أو على أقل تقدير فإن تلك الخطة يمكن أن تعوق الدولة وتُفشل الحكم الجديد، فتصبح فرصتهم مساوية لخصومهم لأنهم ليسوا أفضل منهم أداء. وفي الحالتين يبدو أن هذا التدبير شرير وسيئ وغارق في السواد، ويبدو كذلك أنه لا يمكن أن يصدر عن فصيل يتحلى بأي قدر من الوطنية، فضلاً عن التحلي بالقدر الكافي من الذكاء واستقامة التفكير، لأن الشعب المصري سيهزم هذا التدبير بلا شك، وسيبني دولته مجدداً بعدما استردها من يد "الإخوان".

* كاتب مصري

back to top