إلى المعارضة: العناد والمكابرة لا يبنيان وطناً
لست من الشامتين ولا الشماتين ولا أحب التشفي من الآخرين عندما يتضح أنهم سلكوا طريقاً خاطئاً أضروا به بمكانتهم ووطنهم، وهذا ما يتضح من حال وكتابات بعض الزملاء مؤخراً بعد أن ذهبوا إلى أبعد مدى مع الأغلبية المبطلة أو المعارضة الحالية خارج البرلمان في دعمهم لهم وتبرير أفعالهم وحشد تأييد الرأي العام خلفهم. واليوم تتوالى مواقف هؤلاء الكتاب والسياسيين التي يعبرون فيها عن خيبتهم من حال المعارضة وتفككها في مقالاتهم ووسائل التعبير المختلفة، وهي حالة صحية، فالشجاعة الحقيقية تكمن في قدرة المرء على الاعتراف بخطئه والعمل على تصحيحه خاصة إذا كان بحق بلده.الكثيرون بدأوا القفز من مركب الأغلبية المبطلة عبر انتقاد أوضاعها المفككة أو غياب برنامج عمل المعارضة أو الإعلان المسبق عن نية خوض الانتخابات المقبلة بنظام الصوت الواحد إذا أقرت المحكمة الدستورية بقانونيته وسريانه، بينما يتفنن آخرون في إيجاد مخرج لهم عبر ما يسمونه حواراً بلا أجندة ولا أهداف محددة، بل اللافت أن بعض من يدعو إلى الحوار هو خصم للسلطتين التنفيذية والتشريعية في المحكمة الدستورية وهو ما يستوجب منه أن ينتظر نتيجة مخاصمته القضائية قبل أن يدعو إلى الحوار، وفي كل الأحوال فإن زخم الأغلبية المبطلة وحلفائها قد تلاشى تدريجياً، وتراجعت كثيراً في الشارع ليعودوا فقط إلى لقاءات الدواوين وبيانات الصالونات السياسية.
ليست كارثة أن يفشل جهد جماعة أو مجموعة سياسية، بل الكارثة أن تتغلب المكابرة والعناد على حساب مصلحة الوطن من بعض قيادات وأعضاء الأغلبية المبطلة ليتحول الأمر إلى قضية شخصية، كما أن السياسي المحترف لديه القدرة على إعادة التموضع عندما يتيقن من عدم نجاح خياراته وتوجهاته وضررها ببلده وبه، وهو ما ثبت من ممارسات تظاهرات الشوارع وندوات الهواء الطلق، ورفع السقف دون حساب وتحريض الشباب على ممارسات قادتهم إلى السجون، وكلمات وخطابات حماسية كادت أن تفجر مواجهات طائفية وقبلية في الديرة.لاشك في أن الأغلبية المبطلة تستطيع أن تلعب دور حكومة الظل أو المعارضة السياسية التي تصحح ما تراه من ممارسات في البرلمان الحالي بعد أن تتخلى عن شعارات عدم التمثيل ودستورية المجلس الحالي التي أصبحت خلف ظهورنا وفي يد المحكمة الدستورية عندما تصدر حكمها في يونيو المقبل، وحتى ذلك الحين البلد بحاجة إلى مقاربة جديدة وعمل جدي لحفظ استقراره، وفتح إمكانيات البحث في عفو عام أو خاص يمكن أن تتداوله – كما أتوقع- القيادة في أجواء استقرار البلد المطلوب بشدة في ظل الظروف الإقليمية والعربية الحالية.الزملاء الكتاب والسياسيون الذين يراجعون مواقفهم، ويكتشفون حساباتهم الخاطئة يمكنهم أن يكفروا عنها جميعاً عبر خلق رأي عام داعم للابتعاد عن التصعيد ومواجهات الشارع وأنشطته، وانخراط ائتلاف المعارضة في عمل سياسي ضمن الأطر القانونية لصياغة برنامج سياسي ونشاط يعزز العمل الديمقراطي في الكويت، وتحقيق أهدافهم حتى لو كانت مشروع الحكومة المنتخبة ضمن إقناع المجتمع وخلق أغلبية جماهيرية ونيابية لتحقيقه وإيجاد البيئة المناسبة لها من خلال قوانين تكوين الهيئات السياسية (الأحزاب) وتنظيم عملها، وطي صفحة المواجهة وصراخ وعبث الشوارع، فنحن مجتمعات صغيرة تواجه تحديات وجودية كبيرة تستوجب أن يكون التغيير في دولنا بالحوار والضغط الشعبي والسلمية التي تجعل السلطة تستجيب حتى لو كانت بآليات بطيئة ومطولة، ولكن دون أن نعرض مجتمعاتنا لعواقب الفوضى وتبعات العنف.