توفي الفنان التشكيلي حسين مسيب أمس في الكويت في أحد المستشفيات، بعد معاناة طويلة مع المرض، وبغيابه فقدت الحركة التشكيلية الكويتية واحدا من أبرز فنانيها الملتزمين برسم بيئتها المحلية ورصد معاناة المهمشين والكادحين.

Ad

ويعد الراحل من الفنانين التشكيليين الأوائل الذين أسسوا اللبنة الأولى للفن التشكيلي في الكويت، إذ شارك في المعارض الجماعية القديمة، وانتسب إلى المرسم الحر في عام 1961، وبدأ مشواره مع مجموعة من زملائه في تقديم النتاج البصري الممزوج بدقة متناهية في تسجيل ما يدور في المجتمع إبان مرحلة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الفائت.

الكادحون

وتميزت تجربة الراحل بالتركيز على المهمشين والكادحين الذين يفنون أعمارهم في العمل بحثاً عن لقمة العيش، فاستقرت ضمن عمق لوحاته شخصيات مثخنة بالألم وتعاني العوز والفقر، لكنها تأبى الخنوع أو الذل فتمسك بزمام الأمور وتجتهد وتعمل في المجال الذي يناسبها وفقاً لإمكاناتها وظروفها المحيطة، فتجد ضمن أعماله "الحمّال" و"الباعة المتجولين" و"الصخار" و"الحدّاق".

ولم يكن الراحل رساماً فحسب بل نحّاتاً وخزّافاً، وشملت تجربته أشكالا فنية منوعة قدمت أعمالا نالت التقدير والثناء، لاسيما أن ثمة حكاية كان يرويها الفقيد للمقربين منه كانت السبب في انضمامه إلى المرسم الحر، إذ أنجز منحوتة في نهاية الخمسينيات من القرن الفائت، مستخدماً سكيناً بسبب عدم توافر أدوات العمل، وقرر عرضها على الراحل عبدالعزيز حسين الذي كان مديرا للمعارف آنذاك، فأعجب بالمنحوتة وأوصى موجه التربية الفنية حامد حميدة بضرورة رعاية هذه الموهبة وتوفير ما يحتاجه حسين مسيب من أدوات ومستلزمات للعمل.

معرض وحيد

ونظم الفنان الراحل حسين مسيب معرضاً شخصياً وحيداً خلال مشواره الفني الممتد إلى أكثر من خمسين عاماً، لكن حجم مشاركاته في المعارض الجماعية اتسعت إلى العشرات، فقد كان من أول المشاركين في معارض الربيع الفنية ومعارض الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، إضافة إلى معارض الجاليريات الخاصة، ومعارض الهيئات المحلية، وفعاليات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.

وقدم الراحل خلال معرضه الفردي، الذي احتضنته قاعة أحمد العدواني في ديسمبر 2010، نحو 25 لوحة فنية استخدم فيها الألوان الزيتية والقماش، مسترجعا من خلالها ملامح من ذاكرته البصرية لمدينة الكويت القديمة عبر لغة مبسطة وتلقائية، مستدعيا شكل المعيشة في تلك الفترة الموسومة بشظف العيش وقلة الموارد وضعف الإمكانات، آملا أن يطلع الجيل الحالي على محتوى الأعمال لرصد الفروق بين الحياة قديما وراهنا.

وتفوح رائحة الماضي والتراث من أعماله، فيزين مفردات لوحاته بتفاصيل من البيئة القديمة كالجدران الطينية والشبابيك والأبواب الخشبية، ويجسد بعض التقاليد الكويتية كالمناسبات الشهيرة والقرقيعان وغيرها، إلى جانب مهن أخرى يدوية اندثرت في الحياة العصرية.

وتضمن المعرض لوحة لأطفال غزة، تؤكد التزام الفنان بالقضايا العربية المصيرية، فدفعه شعوره القومي إلى التعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني من خلال رصد ملامح من بطش المحتل المدجج بالآلة العسكرية.

ولم يجذبه جمال المناظر الطبيعية في التخلي عن صداقته الفنية مع الكادحين والمعدمين، بل زاده تمسكا وإصرارا لرصد معاناة الفقراء أينما كانوا في البر أو البحر، مترجما هذه الآلام عبر لوحات تكتسب جمالها من المضمون وليس الشكل.

من أقواله

لم يكن الراحل يحب الظهور الإعلامي لمجرد إثبات الوجود، بل اكتفى بالتصريح أثناء المناسبات الفنية التي يشارك فيها، ومن أبرز تصريحاته: "أسلك مسار البساطة لأنني أرى جماليات التراث القديم تبدو أكثر وضوحاً ودقة بهذا النوع من التشكيل، لذا أتجنب تقديم لغة معقدة من خلال محتوى لوحاتي".

"يجب تقديم ملامح من حياة الماضي إلى الجيل الحالي للتعرف على شكل المعيشة في تلك الفترة".

تجربة منوعة

يذكر أن الفنان حسين مسيب من مواليد عام 1935، وشارك ضمن معرض الربيع الثالث الذي احتضنته مدرسة المباركية، مقدما أعمالا منوعة في النحت والرسم، وبدأ العمل في شركة النفط ثم انتقل إلى الجمارك قبل أن يتقاعد عن العمل.