تشبه أحلامها

نشر في 21-05-2013
آخر تحديث 21-05-2013 | 00:01
 د. نجمة إدريس (مها العتوم) وحسّها الشعري العارم بالأشياء يتوهّج في مجموعتها (أشبه أحلامها). انها تشعرن المشاهد الاعتيادية المبذولة للتعامل اليومي، وتشحنها بطاقة أخرى تتجاوز حسيتها إلى ما هو فوق الحسي. هناك أيضاً اشتغال على ما وراء المعنى، وعلى غوايات الإيحاء، وعلى الاحتمالات المفتوحة للصور الممتدة التي تتفرع وتنتشر في بنية النص بكامله. لذلك فالنص يبدو أشبه بحكاية يأخذ بعضها برقاب بعض:

بيننا شارعٌ / لا ممرَ لسيارةٍ / أو لأقدام ناس

بيننا خضرةُ العشبِ لا العشبُ / أو رقة البحرِ لا البحرُ

ما بيننا شارعٌ أو أقلّ ...

شيئاً فشيئاً يتخذ الشارع والعشب وأغنية عبدالحليم والقميص والكلام العابر – في نص: شارعٌ أو أقل –  أبعاداً ماورائية تتجاوز حدودها المادية نحو عصب الشعر وأثيريته وغرابته:

شارعٌ واحدٌ يتلفّتُ فيكَ وفيَّ:

تغني لعبدالحليم يغني... / تصفّرُ لحناً حزيناً فيعلقُ بالسروِ

تطلقه ضحكة عبثية شكلٍ/ عميقة طيرٍ ومعنى  

  الحب في نصوص الشاعرة حاضر بكثافة، وهو لون من الحب الأثيري الذي يعلق في الأنحاء ويضوع بالمعنى ويلامس عن بُعد. حب خلُص من النواح والألم والتعلق المرضي والاستعباد، وتاق إلى تحرر الذات وتحرير الآخر من التبعية والالتصاق، ومجّد الغنى الروحي والثراء الوجداني الخالصين من الرغبة والاستئثار. الحب في نصوص الشاعرة مدعاة للفرح والغبطة والاكتشاف والتخاطر عن بعد دون منٍّ أو أذى:

بيننا شارعٌ / يتعلّمُ مزجَ الروائحِ فينا/ من العطر فوق القميص

وتحت الكلام / يلخصُ عمّان في شارعٍ واحدٍ

لو تُطلُّ الحديقةُ فينا / ترى نفسَها / وترى الجلنار الذي ضاءَ / في عتمة الجسدين

.........

إذا خفّ هذا الحنين / ولم يبقَ إلا الترابُ

نطيرُ على شرفات البلاد / يماماً / ونعبُرُ ما بيننا

خطوةً / خطوةً / لا نملُّ

وما بيننا شارعٌ أو أقلُّ...

إلى جانب هذه الملامسة الشفيفة لروح الشعر، فإن الشاعرة لا تني تشتغل بجدّ على لغتها، محاولة أن تجعلها أكثر كثافة وأميل للغموض. وهذا يتم من خلال كسر التوقعات في الجمل، وتجنب المألوف من التراكيب والسياقات. ولعل هذا ما يعطي النصوص جاذبيتها الشعرية، وقدرتها على مراوغة القارئ، الذي يحتاج إلى شيء من الصبر ليواكب مخيلة الشاعرة ورؤيتها لعالمها الشعري.

  تبدو الشاعرة مخلصة لموسيقى الوزن في نصوصها كافة، مع شيء من حرية التنقل في توزيع التفاعيل عبر جسد النص. أما قصيدة النثر فلا تظهر لديها إلا في نص واحد فقط ، ولعلها لو ارتادت هذا الأفق لوجدت مستراحاً آخر لتهويماتها.

أما التعريف الأكثر واقعية بمها العتوم فهو كالآتي: شاعرة أردنية من مواليد جرش عام 1973م . حاصلة على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من الجامعة الأردنية، وتعمل في التدريس. عضو تحرير في مجلة (عمّان) الثقافية وعضو هيئة في رابطة الكتّاب الأردنيين. لها من الدواوين: (دوائر الطين) و(نصفها ليلك)، إلى جانب الدراسات النقدية المخطوطة والمنشورة.

back to top