بنت بحري زينات صدقي (12) : ما فيش تفاهم

نشر في 21-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 21-07-2013 | 00:02
لم يكن ما أصاب زينب غروراً بمعناه الحرفي، بل نوع من الدفاع عن النفس في مواجهة آخرين، وجدت أنهم يرتفعون بأنفسهم إلى عنان السماء، ويصنعون حول أسمائهم هالات، بغض النظر عن حجم موهبتهم، إلا أنهم يفعلون ذلك كنوع من التسويق الفني لأنفسهم، وزيادة الطلب عليهم، لدرجة أن بعضهم كان يؤجر من يقوم بمهمة التعظيم والتبجيل لهم أمام الغير، لتنتقل مهمة تعظيمهم بالعدوى إلى الجمهور، وبالتالي إلى أصحاب الملاهي والكازينوهات.
جربت زينب أن تفعل مثلما يفعل غيرها من الفنانين بعدما نصحها بعض المقربين بذلك، وهي الحيلة التي أفلحت إلى حد كبير في بيروت، وأرادت أن تستكملها اليوم في ظل وجود مطربة القطرين، التي ستكون بعد هذه الليلة زميلة لها في برنامج واحد، فلا بد من أن تزيد زينب من شكل الهالة حول نفسها، كنوع من الدفاع المستبق قبل أن يلتف الجمهور وصاحب التياترو، حول مطربة القطرين فحسب، وينسوا {الست زينب المصرية}.

استعدت زينب تماماً للصعود إلى خشبة المسرح، شربت بعض المشروبات الساخنة التي تجلي الصوت، وأعادت التأكيد على حفظ الأغاني مع نفسها. ما إن ظهرت على خشبة المسرح حتى استقبلها الجمهور استقبالاً رائعاً، ارتفع بمعنوياتها إلى عنان السماء، ومع هتاف الجمهور باسمها زادت ثقتها بنفسها.

نظرت عن يسارها فوجدت مطربة القطرين فتحية أحمد تجلس وإلى جوارها صاحب التياترو، وبعض كبار المترددين على التياترو، فابتسمت لهم ابتسامة تحمل أكثر من معنى، بها الترحيب والتعالي والغيرة والود، فبادلها الجميع بابتسامة عريضة، غير أن فتحية أحمد بالغت في الابتسام، ما زاد من ثقة زينب بنفسها بشكل كبير، فبدأت بالأغنية التي تقدم فيها نفسها {أنا زينب المصرية} وشعرت كأنها تقولها هذه الليلة لمطربة القطرين فتحية أحمد، فقامت بتحيتها وأومأت برأسها وأشارت لها بيدها، كأنها تقول لها: {أهلا وسهلا تشرفنا}.

بعدها بدأت زينب على الفور بأغنية من أغاني فتحية أحمد:

تكايدينى.. وليه يعنى

أطيق الكيد واستحليه

ونار حبك تحمى يا ريت النار دي

تسمح لي أقول للناس سبب حبي

أدارى الحب وأتألم

ويضحك قلبك القاسي

وامسح دمعي واتكسف

ومين يفهمني ويواسي

قولي لي وأنا اسس

حرام ولله ترميني

ومين يقدر يطيق بعدك

ده يذل ويحكيلي

تكايدينى وليه يعني

أطيق الكيد واستحليه

ونار حبك تحمي يا ريت النار دي

تسمح لي أقول للناس سبب حبي

احكي لي ومين يرحمني يا غلبي

 

علقة ساخنة

انتهت زينب من الأغنية، ونظرت بطرف عينها إلى حيث تجلس فتحية أحمد فوجدتها تصفق لها بحرارة، ووجهها يتهلل، فبدأت بالأغنية الثانية من أغاني فتحية أحمد، ولاقت الترحيب نفسه من الجمهور، وبعض الحماسة من فتحية، فغنت الثالثة والرابعة، وفي كل مرة كانت حماسة فتحية تقل. حتى تحولت بعد الأغنية الرابعة من فتور في استقبال الأغاني، إلى غضب مع كل أغنية جديدة، وعندما نظرت إليها بعد الأغنية السابعة لم تجدها تجلس في مكانها في {البنوار}، فظنت أن شيئاً ضايقها واضطرت إلى الانصراف. لكن ما إن استدارت إلى الخلف حتى وجدت فتحية أحمد خلفها، صفعتها على وجهها صفعة قوية أطاحت بها وطرحتها أرضاً، ولم تكتف بذلك، بل امتدت يداها إلى شعر زينب، فتمكنت منه ولفته على يديها ثم سحبتها على أرض المسرح، وسط صراخها، بينما الجمهور يضحك وهو مندهش مما يحدث أمامه، ووقف الجميع وكأن المفاجأة شلت حركتهم. لم يستطع أحد أن يتدخل أو يفعل شيئاً، وأكملت فتحية أحمد وصلة ضربها لزينب، وجرتها لتنزل بها من فوق خشبة المسرح وهي تسحلها أرضاً، وتلقي بها إلى الصالة.

ركض خمسة عمال من التياترو ومعهم خيرية صدقي ورفعوها عن الأرض وهي تصرخ وتتألم من شدة الألم، وراحوا ينظرون إلى فتحية أحمد بدهشة وحيرة، حتى أزالت دهشة الجميع، خصوصاً الجمهور وصاحب التياترو، والعاملين فيه، عندما اعتلت خشبة المسرح ووقفت تتحدث إليهم:

= أسعد الله مساكم. وحشتوني يا جمهور لبنان العظيم. واسمحوا لي أعتذر لكم عن المنظر اللي انتوا شوفتوه دلوقت، وانا بضرب البنت دي اللي اسمها زينب. ولكم حق تستغربوا. بس أنا عايزة أقول لكم أني عمري ما ضربت حد وخصوصاً ست... أنا ممكن أضرب راجل بيعاكسني آه. لكن أضرب ست لا. وعمري ما اعتديت على زميل، ولا سرقت منه لقمة عيش ولا اتسببت في قطع عيشه. لكن الست زينب سرقت مني كل أغنياتي. مش أغنية ولا اتنين ولا تلاتة. لا سبع أغنيات حتة واحدة... والأغاني كلها جديدة. يا دوب لسه عاملها في مصر من شهرين بس... وما سمعهاش مني جمهوري في بيروت ولا في دمشق. يكون أول ما يسمعها يسمعها من الست زينب مش منيّ أنا. وطبعاً أنا مش هقدر أغنيها في أي مكان بعد كدا لا هنا ولا في دمشق. وإلا الجمهور هيقول إن أنا اللي سرقتها منها. يعني أنا أدفع دم قلبي لمؤلفين وموسيقيين وهي تاخد ع الجاهز. إذا كان دا يرضيكم أنا بعتذر لها ولكم.

انتهت فتحية أحمد من كلمتها للجمهور، فضجت الصالة بالتصفيق، بينما العمال وخيرية كانوا قد حملوا زينب إلى أقرب مستشفى، حيث كانت حالتها متدهورة جداً، لدرجة أفزعتها، هي ووالدتها وصديقتها خيرية:

= إيه دا؟ ليه كل دا؟ انت عملتي فيها إيه؟

* سرقت أغانيها من غير ما أقولها.

= تقوم تعمل فيك كدا؟

- واكتر من كدا يا خالتي.

= دا زي ما يكون بينها وبينك تار بايت.

- اللي عرفته إن دي الأغاني الجديدة بتاعتها.

* طب ما أحنا عارفين كدا يا خيرية وإيه الجديد في كدا.

- لا ماهي كانت جاية تقولها هنا في بيروت وتعمل عقد جديد بيها شهرين تلاتة هنا. انت بقى سبقتيها وقولتي كل الجديد اللي عندها. هي بقى هتقول إيه

* إن كان كدا. يبقى فعلا عندها حق.

= كسر حوقها... منها لله.

* لا يا أمي. ما تدعيش عليها. أنا كدا اللي غلطانة ومفروض أروح اعتذر لها.

= كمان!

لم تستمر فتحية أحمد في بيروت، بل أنهت زيارتها وعادت إلى مصر بعد ثلاثة أيام فقط من هذا الحادث. في اليوم التالي لمغادرتها بيروت، خرجت زينب من المستشفى، بعدما وضعت جبيرة على ذراعها الأيمن، وأخرى فوق رقبتها، أكد لها الأطباء أنها لن تخلعهما قبل أسبوعين.

اعتزال مبكر

كان على زينب أن تستمر في الفندق طيلة الأسبوعين لا تغادر غرفتها، حتى لا يراها الناس، ليس خجلا من وضع الجبيرتين على ذراعها ورقبتها، ولكن خجلاً مما فعلته، بعدما عرفت بأن فتحية أحمد فضحت أمرها أمام الجمهور وقالت له إنها سرقت أغنياتها.

طيلة هذه الفترة كانت زينب تفكر بشكل مستقبلها، في الأيام المقبلة، ماذا ستفعل؟ هل ستستعين بمؤلفين وموسيقيين لوضع أغان جديدة لها؟ أم تبحث عن أغنيات جديدة لمطربين آخرين؟ وهل ستستمر في الغناء أم تبحث عن مجال آخر؟

ذلك كله دار في رأس زينب، غير أنها لم تجد إجابات لغالبية هذه الأسئلة، فأرادت أن تستعين بوالداتها وبخيرية. ربما ساعداها على إيجاد إجابات:

- في إيه يا زينب؟ مش كفاية كدا وترجعى بقى التياترو؟

* تياترو... تاني بعد اللي حصل يا أمي.

- وهو إيه اللي حصل. الي حصل دا بيحصل كل يوم. هنا وفي مصر وفي إسكندرية وفي كل حتة... ومش مع مطربين صغيرين لسه بيشقوا طريقهم... لا دا كمان مع أسامي كبيرة لها وزنها.

* بس مش بالفضيحة دي.

- يا اختى لا فضيحة ولا حاجة... ما تكبريش الموضوع.

* إزاي بس يا أمي... أوري وشي إزاي لصاحب التياترو... للجمهور اللي شاف وسمع الفضيحة بنفسه.

= الجمهور بينسى بسرعة... وصاحب التياترو بينك وبينه عقد.

* ما ظنش يا خيرية.

= إزاي؟ دا ما هيقصد انك ترجعي... دا يتمنى.

* هو سأل عني؟

= إيه... هو... هو يعني... اصله كان مشغول اليومين اللي فاتوا.

- هو يقدر يستغنى.

* يقدر ونص إيه اللي يمنعه.

استعادت زينب صحتها، غير أنها لم تستعد مكانتها الفنية، فقررت أن تختبر ذلك، ذهبت إلى تياترو {الباريزيانا} غير أنها قبل أن تذهب وتلتقي صاحب التياترو كانت قد تهيأت تماماً لأي رد فعل قد يصدر عنه:

= ست زينب اسمحيلي. انت ما بتريدي خسارتي.

* طبعاً... ما فيش حد يرضى بالخسارة.

= منيح كتير... هيك متفقين.

* متفقين طبعاً... بس على إيه؟

= لهون وكتر خير الله. إذا بتريدي.

* من غير ما تقول... أنا كنت ناوية أعمل كدا وأوفر عليك أي كلام... مش عليك انت بس... على أي حد ممكن يتكلم في الموضوع دا.

نقطة البداية

في صباح الاثنين في 18 يوليو عام 1932 وصلت باخرة من بيروت إلى ميناء الإسكندرية، على متنها زينب صدقي ووالدتها وصديقتها خيرية، اتجهن فوراً إلى بيت خيرية إلى حين استكشاف الأحوال، وتبين إن كانت الأمور قد هدأت مع عمها أم لا؟ ولم يكن ليجيب عن هذه الأسئلة سوى شقيقتها سنية، التي ذهبت إليها خيرية لتحضرها إلى بيتها خوفاً من أن يحدث ما لا تحمد عقباه بظهور زينب أو والدتها من دون معرفة آخر التطورات:

- ياه... والله زي ما يكون بقالكم أربع سنين مش أربعة شهور.

= وحشتيني يا بنتي يا حبيبتي... وحشتيني أوي.

* طمنيني عليك يا سنية وعلى أخواتك البنات... وانت عاملة إيه وعلى اللبان عامل معاك إية؟ ويا تري عمك لسه بيدور علينا؟

= واحدة واحدة عليها يا بنتي. الدنيا ما طارتش.

- عمك لسه بيدور عليك كل يوم. زي ما يكون بينه وبينك تار بايت. مش عايز يسيبك في حالك. دا مش بس كدا... دا كمان مش عايز يسيبني أنا كمان في حالي. كان عايز يخرب بيتي من كتر الزن على ودان جوزي. لولا ربنا ستر وبعت اللي يمنعه عن طلاقي في الوقت المناسب.

= أنطلق لسانه من حنكه... هي حصلت لحد الطلاق.

* ودا مين ابن الحلال دا اللي أثر على جوزك ومنعه يطلقك.

- ابنه.

= يا نهاره زي الطين... هو له ابن من واحدة تانية؟

- لا بعد الشر... تانية إيه؟

* ما تتكلمي يا بت تقصدي إيه؟

- يوه بقى أنتو لازم تكسفوني... أصل أنا... أنا حامل في الشهر الخامس.

= ألف بركة... الف ألف بركة.

* مبروك يا سنية... ألف مبروك. دا أجمل خبر سمعته في حياتي... نساني كل الأسى والغلب اللي الواحد شافوه الفترة اللي فاتت كلها

- أول ما عرف أني حامل بقيت عنده زي الفرخة بكشك... حتى ما بقاش يرضى يقعد مع عمي ويتهرب منه.

* أنا مش عارفة هو بيعمل ليه كدا معانا! دال وكان بيكره أبونا برضه ما يعملش كدا معانا.

= وإيه العمل يا رب... هي الغربة انكتبت علينا ولا إيه. طب احنا لسه راجعين من بيروت. هنروحوا فين تاني دلوقت؟

* هننزل مصر.

= مصر... فين وإزاي وعند مين؟

كازينو بديعة

منذ الانفصال بينها وبين زوجها الفنان نجيب الريحاني سنة 1927، انفصلت بديعة عنه فنياً، وعادت للعمل بمفردها عبر فرقة خاصة بها، حيث عرض عليها أحد الأصدقاء المقربين منها أن تعود إلى الرقص والغناء مجدداً، بعيداً عن تمثيل الأوبريتات والمسرحيات، وفعلاً أسس لها صالة في عماد الدين، وبدأت في تكوين فرقتها الغنائية الراقصة التي ولدت عملاقة بالفعل، فضمت إليها أشهر المطربين والمطربات، فاطمة سري التي لحن لها صفر بك علي وكيل معهد الموسيقى العربية. كذلك انضم إليها كل من نجاة علي، والشيخ سيد الصفتي الذي كان يجيد غناء الأدوار التي صاغها الرواد محمد عثمان وعبده الحامولي وإبراهيم القباني، إضافة إلى مطربة القطرين فتحية أحمد. ومن لبنان جاءت بالراقصة ببا عز الدين وأختها شوشو عز الدين، وبالمطربة رائعة الصوت ماري جبران التي كانت تجيد الموشحات والأدوار المصرية وكانت جميلة الوجه ولكنها في الوقت نفسه زائدة الوزن، ولعل هذا كان سبباً في عدم ذيوع شهرتها.

غطت شهرة صالة بديعة على الصالات كافة في شارع عماد الدين، بل والصالات كافة التي كانت موجودة في القاهرة، وكان ذلك سبباً في جذب كثير من الراقصات والمطربين والمطربات إلى صالتها، فانتقلت إليها أيضاً الراقصة الشابة تحية محمد التي ذاعت شهرتها في صالة بديعة وأصبحت «تحية كاريوكا». كذلك ترك المطرب فريد الأطرش وشقيقته أسمهان صالة ماري منصور وانتقلا إلى صالة بديعة، وتزاحم في الصالة كثير من المطربين الذين أصبح لهم باع طويل في عالم الفن مثل إبراهيم حمودة الذي كان مطرب الفرقة الأول ثم جاء محمد فوزي ومحمود الشريف الذي كان يغني ويلحن في الصالة، وتولى قيادة الفرقة الموسيقية أحد ألمع الملحنين وعازفي القانون الموسيقي أحمد شريف، ومعه زوجته سيدة حسن مطربة الأفراح. وتقدم لها أيضاً المطرب الناشئ أحمد عبد القادر الذي اشتهرت له أغنية «وحوي يا وحوي»، وعمل في صالة بديعة أساطير فن المونولوج الفكاهي مثل موسى حلمي والدويتو الفكاهي «حسين ونعمات المليجي» والمونولوجست الشاب إسماعيل ياسين، والراقصة ثريا حلمي وشقيقتها المطربة ليلى حلمي.

إلى جوار الغناء الفردي والرقصات الفردية، كانت بديعة تقدم مونولوجات، فضلاً عن اسكتشات يشارك فيها كل أفراد الفرقة بالغناء والرقص، وكانت هي بطلة مثل هذه الاستعراضات وكان يعمل معها كثير من مشاهير المؤلفين، أمثال حسين حلمي المانسترلي وأبو السعود الأبياري ومحمود فهمي إبراهيم، والأخير كان أول من قدم لها مونولوج تقليد الفنانين وكان يكتب لها الاستكتشات الغنائية، وعن طريقها تعرف إلى فريد الأطرش.

تذكرت زينب زيارة بديعة مصابني لملهى «الباريزيانا»، ووصيتها لها بأن تزورها في القاهرة فور عودتها من بيروت، فعزمت على أن تترك الإسكندرية وتتجه إلى القاهرة لمقابلة بديعة، على أن تقوم بالزيارة بمفردها هي وخيرية أولاً، وإذا تم الاتفاق تعود لإحضار والدتها بعدما ترتب أمرها في القاهرة.

نزلت زينب للمرة الأولى إلى القاهرة، شعرت بالخوف من شكل المدينة المزدحمة، غير أن رهبتها زالت بمجرد أن دخلت شارع الفن «عماد الدين» حيث الإحساس المختلف بالحميمية والدفء، لا علاقة لهما بحر الصيف، ولكنه دفء الجوار والحب الذي يسيطر على كل من يعملون في الشارع كأنهم أسرة واحدة، ويزيد من ذلك تنقل العاملين في الوسط الفني بين الصالات والفرق المسرحية المختلفة، بمرور الوقت.

سألت زينب عن صالة الست بديعة، غير أنها كانت قد تركت شارع عماد الدين، فانتقلت إلى حيث المقر الصيفي لها... وقفت أمام تياترو مجاور لها تشاهد صور العاملين في الملهى، وجدت بينها صورة مطربة القطرين فتحية أحمد، فقررت الانصراف.

البقية في الحلقة المقبلة

كان شارع عماد الدين في عشرينيات وثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي يموج بعشرات الفرق المسرحية، علي الكسار، نجيب الريحاني، رمسيس ليوسف وهبي، عبد الرحمن رشدي، فاطمة رشدي وعزيز عيد، جورج أبيض... وغيرهم. كذلك كثرت صالات الرقص التي تديرها أجنبيات مثل، صالة «ديناليسكا» إلى جوار مسرح الريحاني وكازينو «دي باري» الذي كانت تديره مدام مارسيل (سينما «ريتس» في شارع عماد الدين)، فضلاً عن صالات لفنانات مصريات أمثال، سعاد محاسن وماري منصور ورتيبة وأنصاف رشدي. أما أكبر صالات الفنانات العربيات فقد كانت «صالة بديعة مصابني» (سينما ليدو راهناً) في شارع عماد الدين أيضا.

كانت غالبية الفرق المسرحية والغنائية، تهرب من حر الصيف مع أهالي القاهرة، إلى الإسكندرية ورأس البر وبورسعيد، لتقدم عروضها على مسارح وتياتروهات هذه المدن الساحلية، وعلى رأسها، نجيب الريحاني وعلي الكسار، فرقة رمسيس، عزيز عيد وفاطمة رشدي، ماري منصور... وغيرهم الكثير، فيما كانت «الست بديعة مصابني» الوحيدة التي تبقى في القاهرة، ويبقى معها جمهورها الذي تعود ارتياد «صالة بديعة»، غير أنها فقط كانت تنتقل من شارع عماد الدين، حيث صالة بديعة، إلى البر الغربي من النيل (شيراتون القاهرة راهناً) حتى أصبح هذا المكان يشتهر باسمها، لدرجة أن عامة الناس أطلقوا على الكوبري الذي يصل بين ضفتي النيل في هذا المكان اسم «كوبري بديعة» وكان يتولى إدارة الصالة الفنان الشعبي سعد الله المصري.

back to top