«الجنح» تحيل «التجمهر» و«تجمعات المسيرات» إلى «الدستورية»: توجد شبهة بمخالفة المادة 44
الملاءمة بين الحقوق والحريات ومصلحة المجتمع وأمنه ضرورة شريطة ألا تطغى مصلحة على أخرى
في حكم قضائي بارز، أصدرت محكمة الجنح برئاسة المستشار محمد يوسف جعفر حكماً بإحالة الدفع بعدم دستورية المادة (34) التي تعاقب على التجمهر في الأماكن العامة، والتي اتُّهِم فيها عدد من الناشطين، على خلفية الخروج بمسيرات في ساحة الإرادة إلى المحكمة الدستورية، للفصل في مدى دستورية المادة (34) من قانون التجمعات التي تعاقب على التجمهر، لوجود شبهة دستورية بمخالفة نص المادة (44) من الدستور.
في حكم قضائي بارز، أصدرت محكمة الجنح برئاسة المستشار محمد يوسف جعفر حكماً بإحالة الدفع بعدم دستورية المادة (34) التي تعاقب على التجمهر في الأماكن العامة، والتي اتُّهِم فيها عدد من الناشطين، على خلفية الخروج بمسيرات في ساحة الإرادة إلى المحكمة الدستورية، للفصل في مدى دستورية المادة (34) من قانون التجمعات التي تعاقب على التجمهر، لوجود شبهة دستورية بمخالفة نص المادة (44) من الدستور.
اكدت المحكمة في حيثيات حكمها بإحالة الدفع بعدم دستورية المادة (34) من قانون التجمعات، انها استشعرت أن المبادئ الرئيسية التي أسست عليها المحكمة الدستورية حكمها بعدم دستورية المواد المتعلقة بالاجتماعات العامة من الجائز أن تكون ذات المبادئ التي تحمي حق الأفراد في التجمعات ومن بينها التجمهر.وأوضحت المحكمة أنها تنوه إلى أن المادة (34) من قانون الجزاء مرتبطة بالمواد 12، و16، و20 من قانون التجمعات ارتباطا لا يقبل التجزئة، وترى المحكمة بعد ذلك حرية الدفع المبدى من محامي المتهمين، وترى أن الفصل فيها يتوقف على الفصل في دستورية المواد المنوه عنها، وان من شأن تطبيق النص، وهي مواد العقاب، الإضرار بالمتهمين، ومن ثم تقضي المحكمة بوقف نظر الدعوى لتحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية لتفصل في مدى دستورية تلك المواد القانونية، وهي المادة (34) من قانون الجزاء والمواد 12، و16، و20 من قانون الاجتماعات العامة والتجمعات.
وكانت النيابة العامة قد أسندت إلى المتهمين الستة ومن بينهم النائب السابق وليد الطبطبائي الاشتراك مع آخرين مجهولين في تجمهر في مكان عام مؤلف من أكثر من 5 أشخاص، بغرض الإخلال بالأمن العام، وارتكاب جرائم التجمع بغير ترخيص، وعدم الاستجابة للأمر الصادر بفضه وتعطيل حركة السير، وبقوا محتجزين بعد صدور أمر رجال الشرطة.كما وجهت النيابة إلى المتهمين انهم اشتركوا مع آخرين مجهولين في تجمع بالطريق العام يزيد عدد المشتركين فيه على عشرين شخصاً بغير ترخيص، وانهم لم يستجيبوا للامر الصادر بفض التجمع وتعمدوا مع آخرين مجهولين تعطيل وإعاقة حركة المرور في الطريق العام.وقالت المحكمة في حيثيات حكمها انه عن الدفع بعدم دستورية نصوص المواد 34/1 من قانون الجزاء المعدل رقم 31 لسنة 1970 والمواد 12, و16، و20 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات، فمن المقرر أن مفاد المادة الرابعة من القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية انه يجوز للخصوم أن يدفعوا لأول مرة أمام محكمة التمييز بعدم دستورية قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة يكون النص فيها واجب التطبيق على النزاع، كما يجوز للمحكمة التي تنظر الخصومة من تلقاء نفسها ودون دفع من الخصوم إذا ما رأت الفصل في النزاع المطروح عليها يتوقف على الفصل في دستورية قانون أو مرسوم بقانون أو لائحة بأنها توقف نظر القضية، وتحيل الأمر إلى المحكمة الدستورية لتفصل فيه.واضافت المحكمة ان جدية الدفع بعدم الدستورية المقصود به انصرافه الى مسألتين، الاولى ان يكون من شأن الفصل في مدى دستورية النص التشريعي التأثير في ما ابداه مقدم الدفع من طلبات في دعوى الموضوع وان يكون هذا الامر لازما وضروريا للفصل في المنازعة الموضوعية، والمسالة الثانية قيام شبهة قوية على خروج النص التشريعي على احكام الدستور وان تقدير مدى جدية الدفع بعدم الدستورية من اختصاص محكمة الموضوع.وكان من المقرر ان المصلحة شرط لقبول الدعوى الدستورية ومناطها ان يكون ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية وانه يكفي لتوفر شرط المصلحة ان يكون من شأن تطبيق النص المطعون عليه الاضرار بالمتهمين او كان احتمال اضرار هذا النص بهم راجحا، واذ جاء ما وجه اليهم من اتهام مستندا الى ما يقضي به النص المطعون فيه بما يجعل الفصل في مدى دستوريته لازما للفصل في الدعوى الموضوعية وهو ما يكفل تحقق المصلحة.وقالت المحكمة ان الدستور افرد بابا خاصا هو الباب الثالث منه للحقوق والواجبات العامة اكبارا لها وتقديرا لاهميتها واعلاء لشأنها واحاطها بسياج من الضمانات كافلا صونها وحمايتها وقد جمع هذا الباب نوعين من الحقوق: الاول؛ المساواة، والثاني؛ الحريات المختلفة.قوانينوقرن الى ذلك بعض ما يرتبط بهما من احكام ويستخلص من النصوص التي جاءت في هذا الشأن انها وضعت في جانب منها قيدا على سلطة المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيميا لها بالا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص، او ينال من اصل الحق او يحد من ممارسته او يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقص معه الحق او ينتقص منه كما وضعت النصوص في جانب آخر قيدا عاما على الافراد في ممارسة حقوقهم وحرياتهم بوجوب مراعاة النظام العام واحترام الاداب العامة باعتبار ذلك واجبا عليهم فجرى نص المادة 30 الواردة بهذا الباب على ان الحرية الشخصية مكفولة كما نصت المادة 36 على ان «حرية الرأي والبث العلمي» مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غيرهما وذلك وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون نصت المادة 44 على ان للافراد حق الاجتماع دون حاجة لاذن او اخطار سابق ولا يجوز لاحد من قوات الامن حضور اجتماعاتهم الخاصة والاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقا للشروط والاوضاع التي بينها القانون على ان تكون اغراض الاجتماع ووسائله سلمية والا تنافي الآداب.كما ان مبدأ السيادة الشعبية -جوهر الديمقراطية وعمادها- لازمه ان يكون للشعب ممثلا في نوابه بالمجلس النيابي الكلمة الحرة فيما يعرض عليه من شؤون عامة وان يكون لافراد الشعب ايضا رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر، مما يغدو معه الحق في الرقابة الشعبية فرعا من حرية التعبير ونتاجا لها، فلا يجوز والامر كذلك وضع قيود على هذا الحق على غير مقتض من طبيعته ومتطلبات ممارسته ومصادرة هذه الحرية او فصلها عن ادواتها ووسائل مباشرتها والا عد ذلك هدما للديمقراطية في محتواها المقرر في الدستور.اشتراكوأوضحت المحكمة قائلة «واستهداء بهذه المبادئ القضائية ولما كان نص المادة 34/1 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض احكام قانون الجزاء قد جرى على انه كل من اشترك في تجمهر في مكان عام مؤلف من خمسة اشخاص على الاقل، الغرض منه ارتكاب الجرائم او الاخلال بالامن العام وبقي متجمهرا بعد صدور امر رجال السلطة العامة بالانصراف يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز مئة دينار او باحدى هاتين العقوبتين».كما نصت المادة 12 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات على ان «تسري احكام المواد 4، 5، 6، 8، 10 من هذا القانون على المواكب والمظاهرات والتجمعات التي تقام او تسير في الطرق والميادين العامة ويزيد عدد المشتركين فيها على عشرين شخصا ويستثنى من ذلك التجمعات المطابقة لعادات البلاد والتي لا تخالف النظام العام او الآداب. ويحظر اشتراك غير المواطنين في المواكب والمظاهرات والتجمعات.ويجب ان يذكر في طلب الترخيص بالمواكب والمظاهرات والتجمعات علاوة على البيانات المنصوص عليها في المادة 5 من هذا القانون خط سير المواكب والمظاهرة او مكان التجمع.وإذا كان خط سير الموكب او المظاهرة واقعا بين اكثر من محافظة صدر الترخيص من وزير الداخلية كما نصت المادة 16 من ذات المرسوم على ان يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز الف دينار او بإحدى هاتين العقوبتين كل من نظم او عقد اجتماعا عاما او موكبا او مظاهرة او تجمعا دون ترخيص وكل من دعا الى ذلك ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من اعلن او نشر بأية وسيلة من وسائل النشر دعوة لاجتماع عام او موكب او مظاهرة او تجمع دون ان يكون مرخصا فيه، ويعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر وغرامة لا تتجاوز مائتي دينار او باحدى هاتين العقوبتين كل من اشترك في اجتماع عام أو موكب او مظاهرة او تجمع غير مرخص فيه.ونصت المادة 20 من ذات المرسوم الى ان يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة اشهر وبغرامة لا تتجاوز ثلاثمئة دينار أو باحدى هاتين العقوبتين كل من لا يستجيب للامر الصادر بفض الاجتماع العام او الموكب او المظاهرة او التجمع ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في الفقرة السابقة كل من سار في غير خط السير للمواكب او المظاهرة او التجمع وكل من يستجيب للامر الصادر بتعديل خط السير.وتكون العقوبة بالحبس مدة لا تزيد عن سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة دينار او بإحدى هاتين العقوبتين اذا كانت عدم الاستجابة للامر مصحوبة باستعمال القوة فإذا كان الفاعل يحمل سلاحا ظاهرا او مخبأ كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنتين وبغرامة لا تتجاوز الف دينار او بإحدى هاتين العقوبتين.وسائل النشروقالت المحكمة في حكمها: «يلاحظ من تلك النصوص القانونية انها اوقعت العقوبة على كل من نظم او عقد او اعلن او نشر بأي وسيلة من وسائل النشر دعوة، او اشترك في موكب او مظاهرة او تجمع غير مرخص له او لم يستجب للامر الصادر بفضه، وكانت تلك الصور من الاجتماع معطوفة على صورة الاجتماع العام المقضي بعدم دستوريتها كما مر سلفا».وزادت: «لما كان ذلك وكانت المحكمة ترى عن حق جدية الدفع بعدم دستورية تلك النصوص سالفة البيان لقيام شبهة قوية على خروجها على احكام الدستور سالفة الذكر، وذلك من مسألتين: الاولى متعلقة بالجانب النظري، وهي الاهمية القصوى للحقوق والحريات الشخصية، ومن ضمنها حرية الاجتماع الخاص وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حياة الفرد، وفي بناء المجتمع، فقد اولتها اعلانات الحقوق والاتفاقيات الدولية والدساتير والقوانين اهمية بالغة، وارست القواعد والاحكام الخاصة بضمانها وكفالتها، ولم تسمح بالتعرض لها الا لضرورة قانونية مشروعة تحتمها دواعي العدالة وامن المجتمع وسلامته، شريطة ان تخضع اجهزة الضبط في الدولة عند قيامها بها العمل لاشراف السلطة القضائية ورقابتها، لانها الحارس الطبيعي للحقوق والحريات الفردية، فالملاءمة بين الحقوق والحريات الفردية وبين مصلحة المجتمع وامنه ضرورة لابد منها، بحيث لا تطغي الحقوق والحريات الفردية على حساب امن المجتمع ومصلحته، والا تلغي مصلحة المجتمع الحقوق والحريات الفردية بحجة تغليب امن المجتمع ومصلحته على امن الفرد وحقوقه، لذلك فإنه لابد من ان يتعادل الغرض من تقييد الحقوق والحريات الفردية مع الحماية التي تتوافر للمجتمع ضد الجرائم، فلكل فرد في الدولة ان يتمتع بالحقوق والحريات المقررة في الدستور والقانون، وعلى الدولة كفالة هذه الحقوق والحريات واحترامها ووضع القواعد والاحكام الخاصة بمجازاة كل من يعتدي عليها وعلى حقوق الغير وعلى حرماته الشخصية، وقد حرصت معظم الدساتير على تقييد هذه السلطة وعدم منها حق اتخاذ الاجراءات المقيدة للحقوق والحريات الفردية الا في حالات معينة، واعتبرت ان كل اعتداء عليها بدون مبرر قانوني جريمة توجب العقاب».الاجتماعات العامةوذكرت المحكمة ان «المسألة الثانية متعلقة بالجانب العملي، وهي ان المحكمة الدستورية حينما قضت في الطعن رقم 1/2005 المنوه عنه سالفا بعدم دستورية المادتين 1 و4 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات لمخالفتها المواد 30 و34 و36 و44 من الدستور، وكذلك المواد 2 و3 و5 و6 و8 و9 و10 و11 و16 و17 و18 و19 و20 من المرسوم ذاته لارتباطها بالمادتين 1 و4 في ما تضمنته تلك النصوص يكون متعلقا بالاجتماع العام، انما قضت بعدم دستورية هاتين المادتين وما ارتبط بها من مواد متعلقة بالاجتماع العام، ولم تقض بعدم دستورية المواد المتعلقة بالتجمع محل الاتهامات المسندة الى المتهمين في صحيفة الاتهام، تأسيسا على ان نطاق الطعن الذي نظر امامها لم يشتمل على مواد الباب الثاني من المرسوم سالف البيان والمتعلقة بالتجمعات والموكب والمظاهرات».مبرراتوتابعت: «بالتالي فإن تلك المواد ليست مبررة من المطاعن الدستورية، ذلك ان المحكمة تستشعر ان المبادئ الرئيسية التي اسست عليها المحكمة الدستورية حكمها بعدم دستورية المواد المتعلقة بالاجتماعات العامة من الجائز ان يكون ذات المبادئ التي تحمي حق الافراد في التجمعات».وبينت انها «تنوه الى ان المادة 34 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعص احكام قانون الجزاء مرتبطة بالمواد 12 و16 و20 من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 بشأن الاجتماعات العامة والتجمعات ارتباطا لا يقبل التجزئة، وترى المحكمة من بعد ذلك جدية الدفع المبدى من محاميي المتهمين، وانتاجه في الدعوى، وترى ان الفصل فيها يتوقف على الفصل في دستورية المواد المنوه عنها سالفا، وان من شأن تطبيقها وهي مواد العقاب الاضرار بالمتهمين».