عبد الجواد ياسين لـ الجريدة•: حذار من احتكار الأزهر للإسلام ونصوصه
«فقه القرون الأولى يعيدنا إلى الكهوف... وتديّن المصريين التلقائي يتصالح مع مفاهيم الفن والعلم»
هاجم منظر التيارات الإسلامية المتشددة سابقاً المستشار عبدالجواد ياسين الدستور المصري الجديد، معتبراً أنه حول الأزهر الشريف إلى مؤسسة كنسية لأول مرة في تاريخ الإسلام.وقال ياسين، الذي انقلب على الإسلاميين بعد مراجعات فكرية، في حوار مع «الجريدة»، إن النص على مصطلح «السنة والجماعة» يعد غريباً على التاريخ الدستوري المصري، مشدداً على أن أفكار السلفيين مستقاة من كهوف التاريخ ولا يمكنها التعايش مع الواقع، وفي ما يلي تفاصيل الحوار:• برأيك، هل قدمت الأنظمة الإسلامية الحاكمة عربياً تجربة أصلية للحكم؟- واقع هذه الأنظمة، نموذج لعدم قدرة المنظومة القديمة على أن تتواصل مع العصر، فلو اكتفت بالقيم الكلية واجتهد قياديوها في حياتهم اجتهاداً طبيعياً لكان من الممكن لهم التعاطي مع العصر، لكن الإصرار على استخدام الفقه الناتج عن تجربة القرون الثلاثة الأولى في الإسلام، يجعل ما يقدمه الإسلاميون الآن يبدو للآخرين شيئا قادما من كهوف التاريخ، وغير قادر على التعايش والتعامل مع الواقع المعاصر.• باعتبارك رجل قضاء، كيف تقيم الدستور المصري الجديد؟- من الناحية الموضوعية فإن المشكلة تتعلق أساساً بالمادة 219، التي تتحدث عن تعريف مبادئ الشريعة، وهو أمر شديد الخطورة، إذ يفرض رؤية معينة، هي واحدة من بين عدة رؤى لا تمثل الدين أو حتى الإسلام التاريخي. كذلك هي الرؤية الأسوأ، حيث إنها تكريس هائل للتاريخ الاجتماعي من عصور قديمة. أضف إلى ذلك أن القائمين على هذه الرؤية، المقتنصة من جمعية تأسيسية جزء منها جاهل بالدين، وهم ممثلو القوى المدنية، لا يستخدمون مفهوم «السنة والجماعة»، فهم حين يتحدثون عن هذا المصطلح يعنون بحسب تاريخهم الرؤية الحنبلية –التيماوية «نسبة إلى ابن تيمية»- الوهابية، ما يعني ان دوائر الرؤية تستمر في الضيق حتى نصل لهذه الرؤية التي هي الأشد تخلفاً على الإطلاق.• ألم يكن لمصطلح السنة والجماعة وجود دستوري قبل ذلك؟- مصطلح السنة والجماعة غريب عن الدساتير المصرية، ما يعني أن هناك جماعة لها رؤية غريبة جداً تريد فرضها على مجتمع كالمجتمع المصري، الذي استطاع بنمط تدينه استيعاب الحداثة دون أن يمارس قطيعة مع مفهوم الدين، فالتدين المصري التلقائي البسيط في الشارع استطاع أن يتصالح مع مفاهيم الفن والحضارة والعلم، التي تتعرض لخطر داهم الآن من محاولات تريد تغيير وجه مصر الحضاري الذي تم بناؤه خلال فترة الحداثة.• ماذا عن وضع الأزهر في الدستور؟- النص الذي يجعل من الأزهر سلطة مرجعية في غاية الخطورة، لأنه يسير في عكس اتجاه التاريخ، إذ يجعله مؤسسة كنسية لأول مرة في التاريخ الرسمي للإسلام، وأحذر من خطر وجود مؤسسة في الدين تحتكر تفسير الإسلام وتفسير نصوصه، فجزء كبير من الإضافات التي ألحقت بالدين نابعة من وجود مؤسسة، سواء كنيسة المعبد اليهودية أو الكنيسة المسيحية أو الدولة التي أممت دور المؤسسة في الإسلام، فالمؤسسة هي التي انحرفت بالدين عن مساره الحقيقي الذي أراده الله للإنسان بممارسة الحدس الذاتي للاتصال به.• كيف تقيم ما جرى في ثورات الربيع العربي؟- ما حصل في الثورات العربية هو عملية إزالة حاكم، ولم تقم بتغيير في جوهر البنى الاجتماعية، لذلك لا محل لاستعجاب البعض من عدم تغير الواقع العربي بعد إزالة الأنظمة الحاكمة.• برأيك، لماذا تبدو القوى الليبرالية في العالم العربي عاجزة أمام تصاعد القوى الأصولية؟- القوى العلمانية والليبرالية تحمل جنيناً سلفياً باعتبارها جزءا من الواقع الاجتماعي، لكنها لا تحمل مودة لمفهوم الدين حين يتعلق بالسلطة، كما أنها لا تملك رؤية كاملة للنظرية الإسلامية السياسية باعتبارها أوتوقراطية صريحة مؤسسة على تجربة تاريخية غير نصية، ما يجعل القوى الليبرالية والعلمانية في موقف ضعيف أمام الطرح الإسلامي المتهيج الذي يمارس نوعا من أنواع الإرهاب على القوى المدنية والعلمانية، فيؤثر ذلك على رؤية تلك القوى للدين فلا يفهم بالقدر الكافي، وسوء الفهم ناتج لعدم التفرقة بين «الدين والتدين».