دولة الجليب لا تعرف المستحيل ولها قانونها الخاص وتديرها عصابات منظمة تضرب بجميع القوانين عرض الحائط، وخير دليل على ذلك جولة بسيطة فيما يسمى بسوق الحرامية لتعرف أنك في دولة داخل دولة، ولتعرف أيضاً كيف تُعرَض أي مسروقات في الطريق العام.

Ad

ابتسم مجددا أنت في الجليب، ولكن هذه المرة أنت في الجزء الجنوبي منها وهو ما يعرف باسم العباسية سابقا وحاليا بمنطقة «سوق الحرامية»، وهي المنطقة التي يسيطر عليها متنفذون من العمالة الوافدة المصرية ومتنفذون من الجالية السورية.

 وهذه المنطقة تحديدا في دولة الجليب لا تعترف بالقانون ولها قانونها الخاص ولا مكان فيها للضيف، بل البقاء فيها للأقوى، لأنها بالفعل دولة لا تعترف بأي قانون، والقانون السائد فيها هو قانون السرقة والنهب لدرجة ان المجموعات المشرفة على السوق يمكنها ان تبيع سيارتك وأنت واقف دون علمك، وعليك دفع مبلغ لإعادتها أو التوجه إلى المخفر وتقديم شكوى، وهذا يعني أنك حكمت عليها بالضياع للأبد، والأفضل هو تقديم المبلغ المالي إلى زعماء السوق.

حكاية السوق ونشأته

حاولت «الجريدة» تقصي الحقائق عن سوق الحرامية وجمع المعلومات عنه قدر الامكان ومعرفة اسباب وتاريخ نشأة ذلك السوق الذي يحتوي على كل شيء، ومن الذي يقف خلف هذه الفوضى التي بمجرد النظر اليها تعتقد انك موجود في بلد من بلدان العصور الوسطى لا في بلد القانون والمؤسسات، فوضى وأوساخ وتخزين عشوائي وامتهان للقانون ولكرامة الانسان، فضلا عن الفوضى المرورية والكثير والكثير من المظاهر المقززة التي تحتاج الى مجلدات لا صفحات للكتابة عنها.

«شوندي» مقيم عربي في العقد الخامس من عمره وهو بالمناسبة مخالف لقانون الاقامة منذ 13 عاما ويعمل في هذا السوق منذ 11 عاما، وينوي الاعتزال والتقاعد وتسليم نفسه للسلطات الأمنية بعد عدة اشهر، لأنه كون نفسه على حد تعبيره وبنى بيتا في بلده، واشترى أرضا والآن يريد الذهاب للزواج بعد ان تربع على عرش هذا السوق عدة سنوات، وكون مبلغا ماليا لا بأس به.

 وأضاف شوندي أنه يبوح بأسرار السوق والتحدث عنه لأنه «ماعادش يجيب همه»، حسبما قال «شوندي»، الذي أبلغنا أن نشأة السوق ترجع الى 10 سنوات تقريبا، وتحديدا عندما قررت الحكومة هدم منازل العزاب في منطقة خيطان الجديدة، لذا قرر سكان خيطان التوجه إلى السكن في العباسية التي تشبه الى حد كبير منازلهم التي تم هدمها في خيطان لكن الفارق في منطقة العباسية هو ان جيرانهم الجدد من ابناء الجالية السورية، لذا عند دخول العزاب للعباسية وغالبيتهم من الجالية المصرية حدثت معارك طاحنة بين الطرفين للسيطرة على النفوذ على كل شيء بالعباسية من مقاهٍ ومطاعم ومكاتب تأجير المنازل، وتخلل تلك المعارك تبادل سرقات المنازل وسرقات الأحواش «جمع حوش» وهو الذي يضم العديد من الغرف.

ذكر شوندي أنه خلال هذه الفترة كان ابناء الجالية السورية يعرضون بضائعهم في سوق الاثاث المستعمل في منطقة الري، بينما كان المصريون يعرضون بضائعهم في السوق المستعمل في سوق الجمعة، لكن الطرفين كانوا يقومون بتخزين البضائع في العباسية، واخذ كل طرف منهما يشن الحملات على الآخر ويسرق منه، لأن البضاعة الاساسية مسروقة ايضا من منازل أو شركات أو مخيمات.

 وأشار إلى أنه بدلا من أن يتم عرض البضائع في سوق الاثاث المستعمل والسوق المستعمل في سوق الجمعة بدأ الطرفان يعرضان بضائعهما في سوق الحرامية بالعباسية كنوع من المنافسة والتحدي حيث تُسرَق البضاعة من المنافس ويتم عرضها أمامه، أي أن «العملية سرقة في سرقة وعلى عينك يا تاجر لا داخلية ولا بلدية تستطيع منع ما يجري بالسوق».

من أين تأتي البضائع؟

قال شوندي ان السوق أصبح مهنة من لا مهنة له، فالكل يصبح معلما او كبير حرامية، والعملية لا تحتاج سوى هاف لوري وأربعة عمال من ضحايا تجار الاقامات الذين يبحثون عن أي عمل يؤمن لهم قوت يومهم او من العمال المخالفين لقانون الاقامة، ومن ثم التوجه الى منطقة الشاليهات او المنازل المهجورة وهي كثيرة في المناطق الداخلية لسرقتها، ومن ثم بيع المسروقات في سوق الحرامية، وتتم عملية البيع بعدة طرق، اما بالجملة أو عن طريق المزاد او بالقطعة وطبعا في كل عملية سرقة يتم تغيير مركبة الهاف لوري حتى لا تقع تحت أعين رجال الأمن.

وذكر أن السرقات مواسم، ففي فصل الشتاء تتم سرقة المخيمات والشاليهات، وفي فصل الصيف تتم سرقة المنازل التي لا تزال قيد الإنشاء أو المنازل التي يكون ملاكها خارج البلاد، إضافة إلى سرقة المدارس الحكومية والخاصة التي تكون شبه مهجورة هي الأخرى في الصيف، ومن ثم تباع المسروقات في سوق الحرامية!

قصاب 5 نجوم

أثناء تجولنا في سوق الحرامية، أرشدنا شوندي إلى موقع لأحد الجزارين في الطريق العام، وقال ان "هذا الجزار يدخل ايضا في سياق سوق الحرامية، فهو متخصص في ذبح الأغنام التي تتم سرقتها من أي موقع أو حتى الأغنام التي تموت في مسلخ جليب الشيوخ وتلقى في حاوية البلدية يتم جلبها له ويذبحها ويبيع اللحم في سوق الحرامية أو أي مكان آخر".

تخزين عشوائي

يقول شوندي إن الطرفين المسيطرين على السوق اضطرا الى تخزين البضائع في الشارع بعد أن شهد السوق اكثر من حريق متعمد أدى إلى وفاة بعض العمال وكانت الحرائق تندلع في البضائع في ساعات متأخرة من الليل.

البلدية بالموقع!!

سألنا شوندي: هل كانت هناك كبسات من قبل البلدية على هذا السوق؟ فكان رده سريعا: كيف تكبس البلدية؟ وأشار بيده إلى احدى المركبات التابعة للبلدية المتوقفة في وسط السوق وقال: «يا باشا احنا لينا عيون في كل مكان وخير دليل ان موظفي البلدية من زبائن السوق».