لا يبدو الشرق الأوسط أرضاً خصبة لأي تدخل أو عملية دبلوماسية أو وساطة. أخذ وزير الخارجية الأميركي جون كيري على عاتقه مهمة بالغة الصعوبة، وكأنما يحاول استنساخ معجزة السيد المسيح بإحياء القديس أليعازر من قبره، باذلاً الجهود المضنية لإيجاد الظروف الملائمة من أجل استئناف محادثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، كذلك يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التعاون معاً لصياغة رؤية ما إذا كانت مكاتبهما قادرة على المشاركة في رأب الصدع العميق الذي قسم مصر، في حين أن تبدّل الرياح في الحرب السورية سيجعل على الأرجح الحفاظ على الجهود الدولية لحلّ الصراع أكثر صعوبة مما هو عليه اليوم، وما هذا إلا غيض من فيض.

Ad

يقرّ كثيرون اليوم أن الحلول العسكرية، سواء كانت تسليح الثوار في سورية أو ردع الإيرانيين، تنم عن جنون مطبق. لم تكن الحماسة الظاهرة للإقدام على أي عمل عسكري في سورية حقيقيّة، وقد خبت على جانبي الأطلسي لحسن الحظ. في هذه الأثناء، يبدو التدخل الليبي اليوم أكثر تعقيداً وإثارة للمشاكل مما كان عليه مباشرة بعد سقوط النظام. كذلك ستطول مهمة القوات الفرنسية في غرب إفريقيا أكثر مما أمل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. فضلاً عن ذلك، ينتهي السير ديفيد ريتشاردز، الجنرال البريطاني الذي ارتبط اسمه بعدد من التدخلات السابقة، هذا الأسبوع ولايته كرئيس لهيئة الأركان الدفاعية، محذّراً بشدة من أي مغامرة في سورية.

تشهد العلاقات بين الدول الغربية والشرق أوسطية مجموعة من التغييرات، ما يُعتبر إيجابياً وسلبياً في آن واحد. تُعَدّ هذه التغييرات إيجابية لأنها تسم بداية نهاية رواسب الاستعمار الذي يحدد مواقف الغرب من هذه المنطقة. فقد بدأت حكومات المنطقة وشعوبها تتخذ قراراتها الخاصة، بغض النظر عما إذا كانت جيدة أو سيئة، وما عادت تعتمد في هذه القرارات على تفضيلات الدول الخارجية، وخصوصاً الولايات المتحدة. لكن هذه التغييرات تُعتبر سلبية أيضاً لأن الصراعات والأزمات الناشئة تتطلب مساعدة القوى الخارجية. إلا أن سجل هذه القوى (لا السجل التاريخي الطويل فحسب، بل المباشر والعصري أيضاً) يحفل بالكثير من الأخطاء الفادحة.

ما كان الوضع السوري سيتدهور إلى هذا الحد اليوم، لو أن الولايات المتحدة لم تعبّر بوضوح وحزم عن رغبتها في تبديل النظام. فقد عرقل هذا القرار أي وساطة لاحقة، ونفّر على الأرجح روسيا بشكل قاطع. على نحو مماثل، لو أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخدما نفوذهما في إسرائيل بحكمة، لما كنا لا نزال على الأرجح نسعى بدأب ومرارة لحلّ هذا الصراع القديم، محاولين تطبيق حلّ إقامة دولتين. أما بالنسبة إلى إيران، فيعود الفضل في أننا اليوم في وضع أفضل لمعالجة المسألة النووية إلى ذكاء الناخبين الإيرانيين، لا تهديدات الغرب وعقوباته. فقد اختار الإيرانيون رئيساً متعقلاً تستطيع الولايات المتحدة التعامل معه.

يشكّل ما نحتاج إليه وما تحتاج إليه شعوب المنطقة مجرد تشقق صغير في جدار الصعوبات هذا، الذي إذا اختُرق عاد بفوائد جمة على الجميع. يمكن تحقيق ذلك في مصر، إلا أن من الضروري إعادة "الإخوان المسلمين" إلى الحياة السياسية. كذلك تبرز الحاجة إلى إعادة إحياء محمد مرسي بطريقة ما، ومن الممكن تحقيقه أيضاً باستئناف المفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويجب أن تكون هذه المفاوضات حقيقية، لا مجرد بداية شكلية جديدة. ومن الممكن تحقيقه في إيران، غير أنه مستبعد في سورية.

من الأفضل أن تنسى الدول الغربية مسألة الجنود وفرض مناطق حظر جوي واستهداف المنشآت النووية، إلا أنها لا تزال تملك بعض الموارد، وهي اقتصادية بأغلبها. يعتمد الجيشان الإسرائيلي والمصري إلى حدّ كبير على المساعدة الأميركية، كذلك تُعتبر التجارة بالغة الأهمية، وهذا ما اتضح أخيراً من خلال الغضب الإسرائيلي بسبب قرار الاتحاد الأوروبي وقف المساعدات المالية للمنظمات الإسرائيلية العاملة في الأراضي المحتلة.

لسنا بالتأكيد مصدر المال الوحيد في المنطقة، لكننا نتمتع بالنفوذ، وعلينا استخدامه. على الدول الغربية أن تستغل نفوذها، معربةً في الوقت عينه عن التواضع. قد يبدو هذا متناقضاً، لكن هذه التركيبة الوحيدة التي تمنحنا الأمل بمساعدة جيراننا المعذبين، لا عرقلة تقدمهم.