لو كنا بلداً فقيراً للصقنا بالفقر العذر، ولو كنا شعباً جاهلاً لحملنا تأخرنا على الجهل، ولو لم تصرف الدولة ملايين الدراسات على التطوير الإداري وغيره لقلنا إننا لا نعرف كيف تدار الدول والحكومات، ولو لم يكن عندنا تجارب ناجحة لقلنا إننا حاولنا وفشلنا ويئسنا، لكننا في بلد أعطاه الله كل شيء ولم يستفد بأي شيء.

Ad

مررت بتجربة ولا أصدق أن هذا يحدث لو لم أمرّ بالتجربة بنفسي وعشت كل تفاصيلها، وتعاملت مع أجهزة الدولة في مسألة بسيطة لا تحتاج أصلاً إلى أي مما مررت به، وهي تجربة الحصول على ترخيص لتقسيم دور في برج حديث مرخص أصلاً من البلدية والمطافئ، وكل ما هو مطلوب حسب الإجراءات أن أضع حاجزين بعرض متر واحد وارتفاع مترين في موقعين من الدور.

هل تعرفون كم أخذ مني الحصول على مثل هذا التصريح؟ سبعة أشهر حتى الآن؛ سبعة أشهر لوضع حاجز بعرض متر واحد حتى أستطيع الحصول على رقم مدني وأستخرج رخصة وزارة التجارة واعتماد توقيع وزارة الشؤون، وهي مراحل تنتظر الحصول على ترخيص تصنيع وبناء المفاعل النووي في الدور المذكور!!

وتقولون لماذا ينفجر الكويتي غيظاً ويتظاهر وراء أي دعوة للتظاهر؟ وتقولون لماذا يشتم الكويتي حكومته وتنفلق مرارته وتزداد أمراض التعاسة وهو في بلد من أغنى بلدان العالم؟

كافة المسؤولين الكبار لا يمرون بهذا الروتين القاتل؛ لأن مندوبيهم لا يقفون بالطابور، ولا ينتظرون وصول مسؤول لا يصل، فالمندوب بمنزلة وزير تمر معاملته بسرعة البرق؛ لذلك فالمسؤولون لا يحسون بما يعانيه الناس لكنهم يستنكرون خروج الناس في التظاهرات، ولا يدركون لماذا الناس تشتم في وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي.

 إنهم بعيدون كل البعد عن معاناة الناس، ولا يرون ما يحدث للنظم الإدارية في البلدان الأخرى، بل إنهم لا يرون النماذج الناجحة عندهم، ولدينا مراكز خدمة المواطن لوزارة الداخلية نموذجٌ مشرقٌ ومشرف ومسعد لجمهور المتعاملين معه، لكنهم لا يريدون حتى الاقتباس من وزارة من وزاراتهم، وتركوا بقية الوزارات يلعب بها الروتين، وتقتل أي رغبة في إنشاء أي عمل مفيد للكويت.

سبعة أشهر لاستصدار شهادة من المطافئ والبلدية لوضع قاطع بعرض متر واحد، فكم من الوقت يمكن أن يأخذه تصريح بإقامة مصنع؟

تقولون تفشت الرشوة؟ وتقولون إن الفساد تنوء بحمله الجمال، فهل تجهلون لماذا؟ وهل تجهلون العلاج؟ وهل تفتقدون الإمكانات للعلاج أم أنكم تفضلون بقاء الحال على ما هي عليه؛ ليبقى المواطن مشغولاً في متابعة معاملاته حتى لا يتفرغ لشيء آخر؟ ألا تدركون خطورة غضب الناس وإحباطهم؟

قرأت الكثير عن البيروقراطية لكني لم أدرك مدى السوء حتى دخلت هذه التجربة، فنحن متأخرون ولا أمل أن تكون الكويت في أي موقع متقدم في هذا العالم ما لم تكن هناك ثورة إدارية تنسف النظام الإداري الحالي، وتقيم نظاماً حديثاً يليق بدولة بإمكانات الكويت، ثورة إدارية تقتلع كل النظم البالية التي تعشش في أروقة الحكومة ووزاراتها وأجهزتها، وتقتلع أي مسؤول لا يعرف النظم الحديثة أو لا يرغب بها، ويقضي على العمالة الفاسدة التي تتحكم في الوظيفة الحكومية من بعض الوافدين الذين يسيطرون ويتحكمون في رقاب البشر تحت سمع وبصر المسؤول الكويتي المشغول في أي شيء آخر إلا عمله.

سبعة أشهر لوضع حاجز بعرض متر؟ والله عيب.