ديمقراطية فلسطينية زائفة مزينة بالقمع والاعتقالات!
لم يساعد قمع الانتقادات، من خلال اللجوء إلى قانون أردني عمره 50 سنة (كان يهدف إلى معاقبة منتقدي النظام الملكي الأردني، حين كان يحكم الضفة الغربية)، على تحسين مصداقية عباس الديمقراطية المشبوهة التي يجاهر بها عندما يقابل القادة الغربيين.
في الأسبوع الماضي، أصدرت محكمة في نابلس، في الضفة الغربية، حكماً غيابياً على الناشط الفلسطيني أنس عواد (26 عاماً) بالسجن مدة سنة بتهمة «إطالة اللسان» على موقع فيسبوك ضد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. انضم الآلاف إلى إحدى صفحات «فيسبوك» لإظهار تضامنهم مع عواد، لكن كان يصعب تغيير ما حدث. لقد تعرضت حرية التعبير لانتكاسة كبرى، وانتشرت مشاعر الإحباط في أوساط المجتمع الفلسطيني.لا عجب أن تعمد السلطة الفلسطينية إلى قمع الحريات الأساسية. انطلاقاً من أعلى المراتب في السلطة وصولاً إلى أدناها، تسيطر ثقافة القمع على المشهد العام. انتهى عهد الرئيس عباس منذ أربع سنوات لكنه تمسك بالسلطة وكأنه حاكم استبدادي غير منتخب طوال نصف عقد تقريباً. في شهر نوفمبر، أخبرني مستشار بارز لعباس، محمد أشتية، أن عباس لا يريد البقاء في الحكم لكنه لا يستطيع الرحيل بكل بساطة بسبب الانقسامات القائمة في المجتمع الفلسطيني.
ولم يساعد قمع الانتقادات، من خلال اللجوء إلى قانون أردني عمره 50 سنة (كان يهدف إلى معاقبة منتقدي النظام الملكي الأردني حين كان يحكم الضفة الغربية) على تحسين مصداقية عباس الديمقراطية المشبوهة التي يجاهر بها في أغلب الأحيان، عندما يقابل القادة الغربيين.ليست المرة الأولى التي تستعمل فيها السلطة الفلسطينية القوانين البالية لقمع الناشطين على شبكة الإنترنت. في السنة الماضية، اعتُقل صاحب المدونة الفلسطيني جمال أبوريحان، لأنه أنشأ حملة على «فيسبوك» اسماها «الشعب يريد إنهاء الفساد».كانت جريمة ريحان، مثل عواد، هي «إطالة اللسان» ضد القيادة الفلسطينية. في شهر أبريل، اعتُقلت المحاضِرة الجامعية عصمت عبدالخالق، لأنها انتقدت عباس على موقع فيسبوك. بعد بضعة أيام، اعتُقل الصحافي طارق خميس، لأنه انتقد طريقة تعامل السلطة الفلسطينية مع السيدة عبدالخالق. كذلك، اعتُقل جورج قنواتي، مدير راديو «بيت لحم»، والصحافي رامي سمار بعد عرض انتقاداتهما للسلطة الفلسطينية على «فيسبوك».طالما يقول عباس إنه ملتزم بالسلام، تتلاشى الضغوط الغربية عليه في ملف حقوق الإنسان. يبدو أن حقوق الإنسان بالنسبة إلى الفلسطينيين لاتزال أمراً ثانوياً مقارنةً بعملية السلام. لاشك في أن التزام أي حكومة بحماية حقوق الإنسان لمواطنيها هو مؤشر جيد على مدى التزام تلك الحكومة بحفظ السلام مع جيرانها، لكن البلدان التي تتجاهل حريات شعوبها لا تهتم على الأرجح بحفظ السلام مع أعدائها التاريخيين. بعبارة أخرى، تُعتبر حقوق الإنسان الفلسطينية عاملاً أساسياً لإقرار عملية السلام.في غزة، حيث تمنع «حماس» مؤتمرات وسائل الإعلام الاجتماعية، وتقمع النساء، وتعذب المعارضين وتعتقل الصحافيين، يتراجع الأمل في اتخاذ خطوات بناءة لإرساء السلام في المنطقة. بعد حملة القمع الأخيرة على حرية التعبير، يبدو أن السلطة الفلسطينية تسير في الاتجاه المقلق نفسه في ما يخص حقوق الإنسان.في شهر أغسطس الماضي، خلال خطاب يشجع على الجهاد ضد الأعداء الذين يطأون أراضي المسلمين، تضرّع النائب الأول لرئاسة المجلس التشريعي الذي تسيطر عليه «حماس»، أحمد بحر، إلى الله من أجل قتل جميع اليهود والأميركيين وداعميهم أيضاً: «عُدّوهم واحداً واحداً واقتلوهم جميعاً ولا تتركوا أحداً منهم على قيد الحياة».بدل انتقاد هذا الخطاب، الذي يدعو إلى ارتكاب إبادة جماعية، قال عباس في السنة الماضية حين سأله مذيع من قناة الجزيرة عن حقيقة وجود اختلافات سياسية وأيديولوجية بين حزبه «فتح» وحركة «حماس»: «بكل صراحة، ما من خلافات بيننا».لكن لابد من وجود فجوات هائلة (لا يمكن ردمها) بين أي شريك سلام محتمل ومنظمة إرهابية تتصرف بشكل استبدادي، وتدعو إلى إبادة شعب بأكمله.يذكرنا الحكم الذي صدر ضد عواد بأن السلطة الفلسطينية لا تحترم الديمقراطية وحرية التعبير حتى لو أكدت عكس ذلك في خطاباتها. بدل الإصرار على منح عباس حرية التصرف، يجب أن ينتقد الغرب حملات القمع على المعارضين، وأن يقف بكل ثبات إلى جانب الديمقراطيين الفلسطينيين. تقضي أول خطوة إيجابية في هذا الاتجاه بربط المساعدات الاقتصادية الغربية باحترام السلطة الفلسطينية لحرية التعبير. باختصار، إن حقوق الإنسان التي تُعتبر عموماً مصدر إلهاء عن عملية السلام هي في الحقيقة مفتاح السر لإقرار تلك العملية.David Keyes