تركزت التكهنات على مدى فترة طويلة على تلفزيون من صنع «أبل» باعتباره السوق الجديد الأبرز الذي يمكن إحداث ثورة فيه.
جلس تيم كوك على مسرح أسود مرتديا قميصا بياقة مفتوحة وجينزا، وكان جالسا على حافة كرسي عال بلا ظهر أمام أحد شعارات شركة أبل المتوهجة، وهي خلفية مألوفة في عمليات إطلاق هواتف "آيفون" و"آيباد"، لكن بدلا من الإعلان عن منتج جديد، كان الرئيس التنفيذي لشركة أبل ينصت بصبر لمساهميه. تجمع عدة مئات من المستثمرين، الذين كانوا غالبا أفرادا وليسوا مديري صناديق في "وول ستريت"، وكان الكثير منهم في أعمار متقدمة، يوم الأربعاء في مقر شركة أبل في كوبرتينو بولاية كاليفورنيا الأميركية، من أجل اجتماع مساهميها السنوي. وانهالت على كوك أسئلة بشأن مواضيع تصل إلى التنوع ما بين المنافسة من قبل شركة غوغل، ومكاتبها الجديدة التي تتخذ شكل "سفينة فضاء"، واحتمال وجود دراجة من نوع "آيبايك"، وتوفير المراحيض في متاجر شركة أبل. وكما حدث في الأعوام السابقة، أجاب كوك بأسلوب ودي. قال للمساهمين في شركته: "نحن نفكر فيكم كثيرا" وهو شعور يصعب تصور أن يأتي من بين شفاه المؤسس المشارك الراحل ستيف جوبز. "ربما أكثر مما تعرفون". وعلى الرغم من الجو البهيج، فلقد عرض مساهمو "أبل" الكثير على كوك، ما يمكنه التفكير فيه في الأسابيع الأخيرة. فلقد تركت أسعار أسهم شركة أبل المنخفضة كوك عرضة لهجمات من قبل المستثمرين الكبار، الذين يجعلون أعينهم مثبتة على السيولة النقدية المنتفخة في الشركة. ومحرض المحتجين الرئيس هو ديفيد إينهورن، مدير صندوق التحوط الذي اشتهر بأنه باع أسهم بنك ليمان براذرز من خلال عمليات بيع على المكشوف قبل انهياره. وقد رفعت شركته، "جرينلايت كابيتال"، قضية على شركة أبل حظيت باهتمام إعلامي، تم سحبها بالأمس.137 مليار دولارلكن لا يزال جدول أعمال إينهورن كما هو. فلقد كدست شركة أبل مبلغا ضخما بقيمة 137 مليار دولار نقدا، وهو يزيد على ما كانت تملكه منذ ستة أعوام بأكثر من عشر مرات، ويبلغ ضعف مستوى شهر مارس من عام 2011. وهو يريد من "أبل" أن تشركه والمساهمين الآخرين أكثر في ما يحدث، ووسيلته المفضلة ستكون شكلا جديدا من أشكال الأسهم ذات العائد المرتفع، الذي أطلق عليها إينهورن اسم "آيبريفز". ويقول إينهورن: إن "أبل" تصرفت بشكل جيد جدا لدرجة أنه "انتهى بهم الحال وهم يملكون مخزونا احتياطيا من السيولة النقدية يزيد على رسملة السوق عند الجميع عدا 17 شركة ضمن مؤشر إس آند بي500". ويضيف قائلا: "شركة أبل لا تملك رأس المال المناسب. فهي لا تقلل من تكلفة رأس المال بها. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعلنا نعتقد بأن أسهم "أبل" يتم تداولها من خلال تثمين أقل من قيمتها العادلة إلى حد ما". وعلى الرغم من أنه لم يتم الترحيب بفكرة "آيبريفز" على المستوى العالمي، فإن موضوع عودة السيولة النقدية لاقى قبولا لدى مساهمين آخرين. ويقترح بيل ميلر، وهو مستثمر آخر معروف، أن تتوقف "أبل" ببساطة عن الإضافة إلى هذه الكومة وتسلم كل السيولة النقدية التي ستأتي في المستقبل مرة أخرى للمساهمين، على غرار نهج "آي بي إم". لكن ربما لا يكون الاحتكام إلى "آي بي إم" التي مر عليها 100 عام مقنعا بالنسبة لشركة تقنية كانت تنمو حتى وقت قريب بسرعة شركة مبتدئة. وقال كوك يوم الأربعاء: إن "أبل" تخضع لـ"مناقشات نشطة جدا جدا" في ما يتعلق بما يجب فعله بالسيولة النقدية الموجودة لديها، وهو تصعيد دقيق لتعليقاته السابقة بأنها كانت تخضع لمحادثات "نشطة" ثم "نشطة جدا" فيما يتعلق بهذا الموضوع. وعلى الرغم من أنه تناسى بشكل متكرر الإجراء القانوني الذي اتخذه إينهورن، الذي قام على ما إذا كان تجميع سلسلة من التغييرات في حكم الشركات يخترق قواعد "لجنة الأوراق المالية والبورصات"، باعتباره "عرضا جانبيا سخيفا"، قال كوك: إنه سيدرس اقتراح "جرينلايت" وأي مقترحات من قبل المستثمرين الآخرين. لكن تعتبر شركات "وادي السيلكون" دائما عالما منعزلا عن "وول ستريت" في ما يتعلق بموضوعات مثل السيولة النقدية وعائدات المساهمين، وشركة أبل ليست حالة استثنائية. وبالنسبة لشركات التقنية، يوجد مانع نفسي عميق عندما يتعلق الأمر بالمشتقات، فهي أمور خاصة بالمصارف والمرافق المملة، وليست عوامل خطيرة تسبب الإعاقة. ولننظر إلى شركة مايكروسوفت على سبيل المثال، كما يقولون. تم إعلان توزيعات الأرباح الأولى بها في شهر يناير من عام 2003، عندما كان سعر سهمها 21 دولارا تقريبا. وبعد مرور عقد، ارتفع سهمها إلى 28 دولارا. قارن هذا مع "أبل"، التي تحرك سعر سهمها من ستة دولارات إلى مستوى مرتفع يفوق 700 دولار خلال الفترة نفسها.انخفاض أسعار الأسهملكن في الوقت الراهن يركز مستثمرو "أبل" على الانخفاض الذي حدث في أسعار الأسهم بنسبة 35 في المئة منذ وصولها إلى مستوى مرتفع في شهر سبتمبر. وقد اعترف إينهورن الأسبوع الماضي قائلا: "هناك تخوف من أن تكون توزيعات الأرباح تشير إلى توقعات نمو سيئة أو نهاية الابتكار. عندما لا تتطلب شركة أن يعاد استثمار كل بنس، لا يعني هذا أن الشركة لا يمكنها النمو. لكنه يعني فقط أن نمو الشركة محدود بشيء ما غير السيولة النقدية". وبالنسبة للكثير من المستثمرين، فإن سعر سهم "أبل" موضع افتتان لا نهاية له. حيث قال أحد مستثمري "القيمة": إن كل محلل ومدير محفظة في الشركة تقريبا قد حضر اجتماعا عُقد أخيرا لمناقشة موقف "أبل" باعتبارها استثمارا محتملا. وكان الجيل الأصغر متحمسا بشأن شراء الأسهم، لكن الرؤوس الأكبر سنا لم تكن مقتنعة بأن إجمالي هوامش الربح في شركة "أبل"-التي بلغت 40 في المئة تقريبا منذ عام 2008- سيكون بإمكانها الاستمرار في مهمتها. وفي هذا المناخ، فإن تثمين "أبل" المتقلص في سوق الأسهم يساوي الآن ثلاثة أضعاف السيولة النقدية الموجودة بها فقط. ونسبة السعر إلى المكاسب الخاصة بها الخاسرة أقل من نسبة شركة ديل، الشركة التي شجع بطء الانعطاف الجذري بها، وأداؤها السيئ فيما يتعلق بسعر السهم مؤسسها على أن يحاول خصخصتها. ومثل هذه الحقائق تربك أولئك الذين يراقبون "أبل" منذ مدة طويلة، الذين يشيرون لنموها المتواصل وسلسلة منتجاتها الناجحة. وقال هوراس ديديو الذي يعمل في شركة أسيمكو، وهو محلل في قطاع الهاتف المحمول، مشيرا إلى خطوط إنتاج جديدة: "الافتراض الكامن في عملية التثمين الحالية هو أنه لن يكون هناك أي شيء آخر. وكنت دائما أقول: إن أطروحة الاستثمار في حالة شركة أبل لم تكن أنهم سيسيطرون على العالم من خلال منتج واحد، لكن أنه يوجد لديهم محرك رائج لتصنيع المنتجات". وقال ديديو الشهر الماضي: إن تعزيز النمو من خلال إطلاق "آيفون" أقل تكلفة، على سبيل المثال "سيكون منطقيا للغاية إذا كان حدث منذ عام. أنا لا أعرف لماذا لم يضغطوا على الزناد بالسرعة الكافية، لذا ربما يكون عام 2013 سوء تقدير طفيف". وقد جاء أول سؤال طُرح على كوك يوم الأربعاء من قبل مستثمر قلق من أن هاتف "آيفون" الذي لا يزال مكلفا قد خسر حصته في السوق لصالح الهواتف الذكية التي تعمل بنظام التشغيل "أندرويد" الذي أنتجته شركة غوغل. وسأل المستثمر: "لماذا لم تستخدم شركة أبل بعضا من كومة السيولة النقدية الضخمة هذه لتخوض حربا شاملة من أجل هذه السوق التي بنيناها"؟ وأجاب كوك: "الفوز بالنسبة لنا ليس الاستفادة القصوى. فنحن نريد أن نصنع الأفضل" قبل أن يعطي إشارة إلى أن شيئا ما كبيرا كان يحدث في المبنى الصناعي، حيث قال: "نحن نبحث عن فئات جديدة". وقد تركزت التكهنات على مدى فترة طويلة على تلفزيون من صنع "أبل" باعتباره السوق الجديدة الأبرز التي يمكن إحداث ثورة فيها. لكن بينما تكافح شركة أبل لتشق طريقها خلال الأعشاب الضارة المتمثلة في ترخيص البرنامج واحتكارات التلفزيون المدفوع في أميركا، فإن التفكير الأحدث هو أن "أبل" ستطلق ساعة من نوع "آيووتش" أو جهازا "ذكيا" يمكن ارتداؤه بالمثل. وقدر أميت داريناني، المحلل في شركة آر بي سي، أن "أبل" ستبيع 40 مليون "آيووتش"، التي ربما سيباع الواحد منها مقابل 200 دولار، خلال عامها الأول في السوق. وقد يولِّد هذا مبلغا يصل إلى تسعة مليارات دولار في هيئة إيرادات، إضافية دولارين من الأرباح في كل سهم، ما يضيف "25 دولار تقريبا لسعر السهم في شركة أبل". لكن، وفقا لهذه القاعدة المالية البحتة، فإن "آيووتش" لن تدفع وحدها نحو إرجاع سعر سهم "أبل" إلى ما فوق 700 دولار، وهذا أحد الأسباب التي تجعل المزيد من المستثمرين يريدون مبلغ توزيع أرباح أعلى لرفع عائداتهم. ويقول أحد المستثمرين وهو فيتالي كاتسنليسون: إن شركته، "أنفسمنت منجمنت أسوشيتس"، استفادت من كساد سعر سهم "أبل" لشراء سهم في يناير، وهو سيحب أن يرى الشركة تدفع توزيعات أرباح أعلى أو تشتري مرة أخرى المزيد من الأسهم. وقال: "عندما يكون لديك 137 مليار دولار، ربما يكون تجاوزا يصعب التعامل معه في 100 مليار دولار.قدرات التصنيع الخاصة والبديل الآخر، لكنه يعتبر مخاطرة في طريقة استخدام السيولة النقدية الخاصة بشركة "أبل"، سيكون الاستثمار في خلق قدرات التصنيع الخاصة بها من أجل أنواع جديدة بشكل جذري من المنتجات. وعلى الرغم من أن إنتاج "آيفون" وأجهزتها الأخرى يتم من خلال الاستعانة بمصادر خارجية مثل "فوكسكون" وموردين آخرين، خاصة في آسيا، فإن الكثير من المعدات التي يستخدمونها يتم شراؤها من قبل وتكون مملوكة لـ "أبل" نفسها. وربما يزيد من هوس المستثمر بالسيولة النقدية التي تملكها "أبل" الطريقة غير المعتادة نوعا ما التي تدار بها. وتتحمل شركة فرعية اسمها "بريدبرن كابيتال"، التي يوجد مكتبها في مدينة رينو ذات الضرائب المنخفضة، في ولاية نيفادا، التي تقع في "ساند هيل رود" -نفس اسم الشارع الذي يعتبر مقرا للكثير من شركات "وادي السيلكون" ذات رأس المال الاستثماري المعروفة- مسؤولية كومة السيولة النقدية. لكن الأمر يتعلق بحدود التشابه، حيث تبدو "بريبرن"، الثرية على الرغم من كونها متحفظة، وكأنها تترك الرهانات طيبة النكهة حول الأفكار الابتكارية لشركة أبل. وتخصيص "بريبرن" أموالا لانتشار واسع النطاق لأوراق مالية ذات دخل ثابت وجودة عالية ليس غريبا عن شركة تأمين. وفي ظل وجود هدف يتمثل في الحفاظ على رأس المال، فإن نسبة العائد أقل من 1 في المئة. وافتراض أن "أبل" بالفعل، كما يشير كوك، وضعت المزيد من تلك الأموال لتشغيلها، ماذا سيجعله المستثمرون يفعل بها؟ ويقول إينهورن: إن مفهوم "آيبريفز" الخاص به "ليس معقدا، ولكنه غير مألوف فقط". لكن يرى الكثير من المحللين أن حدوث ارتفاع واضح في المشتقات هو المرجح أكثر.28 مليار دولار عائد إضافي يقدر بنك مورغان ستانلي أنه بإمكان "أبل" تحقيق عائد إضافي بقيمة 28 مليار دولار، ومنح عائد مشتقات بنسبة 6 في المئة، إذا أخذت متوسط مدفوعات قطاع تكنولوجيا المعلومات التابع لمؤشر "إس آند بي" الذي يبلغ 68 في المئة من التدفق النقدي الحر. ومهما يفعل كوك، فإن التكهن في مستوى محموم عادة ما يكون مخصصا لعمليات إطلاق منتجات "أبل". ويتساءل البعض عن السبب وراء انخراطه في هذا الأمر على الإطلاق. فلقد حمى جوبز كومة السيولة النقدية الموجودة لدى "أبل" بحرص بعد أن اقتربت من الإفلاس في عام 1996 ورفض كل الحديث عن مسائل مالية تؤيد التركيز على المنتجات. وفي النهاية، فإن جهاز "آيديفيايس" رائج جديد من الممكن أن يضع صاروخا تحت أسهم "أبل" أكبر مما يستطيع أن يضعه أي مشتق في أي وقت.
اقتصاد
«أبل» تكدِّس 137 مليار دولار... والمساهمون يترقبون نصيبهم
04-03-2013