شجرة الكستناء

نشر في 09-06-2013
آخر تحديث 09-06-2013 | 00:01
 ناصر الظفيري كنت أتصور أن الديمقراطية في الغرب تسمح للناس بالتظاهر دائما بسبب أو دون سبب، وحين يقوم اتحاد ما بحالة اضراب فان على السلطة أن ترضخ لمطالب هذا الاتحاد لأنها لا تستطيع أن تجبر أعضاء هذا الاتحاد على العمل اكراها.

وما يربك في هذا التصور هو أن يتمادى هذا الاتحاد بعد الرضوخ له في اضرابات متواصلة أو تقوم اتحادات أخرى بعمل ذات الشيء لتحقيق مكتسبات جديدة، وهو ما لا تتحمله السلطة قطعا. الا أن هذا التصور كان هو نصف الحقيقة، اذ يحق لكل قطاع مدني أن يعلن عن مطالبه وفي حال عدم تنفيذها في المدة التى حددها يعلن الاضراب.

أما النصف الآخر للحقيقة فهو يحق للسلطة، سواء أكانت حكومة أم جهة العمل أن تلجأ الى القضاء بعد فشل المفاوضات مع أعضاء الاتحاد فتقوم المحكمة بتعيين جهة مستقلة لحل النزاع بين الطرفين Arbitrator ويلزم حكمها طرفي النزاع.

وفي حال جاء الحكم في غير صالح المضربين يكونون قد خسروا ساعات عمل الاضراب الذي قد يستمر أشهرا.

ما حدث في تركيا الأيام الماضية يقنعنا بأن تركيا بعيدة عن فهم الديمقراطية الغربية ولم تتعامل مع متظاهري ميدان تقسيم بغير القوة العسكرية والهراوات لمنع الناس من التظاهر. وفي محاولة لفهم ما يجرى هناك نشرت مجلة نيويوركر مقالا لأورهان بوماك ترجمه أيكن أوكلب بعنوان "ذكريات ميدان عام". صدّر بوماك مقاله بحكاية شجرة الكستناء التى قررت الحكومة أن تقتلعها لتوسعة الشارع أمام منازل آل بوماك دون أن تستشيرهم. فخرجوا الى الشارع يحيطون بالشجرة نهارا وليلا ليس لحماية الشجرة فقط ولكن للحفاظ على ذكرياتهم. وما نجح فيه هذا الاضراب الأهلي البسيط هو احساس الأهالي بأنهم ارتبطوا معا أكثر.

الحكومة، والكلام لأورهان، لم تقم باستشارة الناس وهي تحاول ازالة المتنزه الأخضر الباقي لأهل الميدان. والتظاهر كان لا بد منه حتى لا تفهم الحكومة بأنها تستطيع فعل كل شيء لمجرد أنها منتخبة. وحين تقوم بعمل لا يرضاه الناس فإنها تتجه حتماً إلى تأصيل الدكتاتورية ولو في فترة بقائها دستوريا وشرعيا.

التعامل المفاجئ مع المتظاهرين والقمع الذي تم نقله للعالم يوضح أن العقلية القمعية في كبح الناس عن حرية التعبير سلميا لاتزال هي الذهنية السائدة في أنظمة تخاف السلمية ولا تجد سبيلا لحل النزاع والتفاوض مع الرأي المخالف والذي كان يمكن اللجوء فيه للقضاء ليكون صاحب الكلمة الفصل.

أورهان باموك المثقف والروائي وصاحب "نوبل" يقف بسرعة ودون تفكير مسبق الى جانب الناس في حقهم في الاستشارة بما تنوي الحكومة القيام به. والخطأ الأكبر الذي ارتكبته حكومة أردوغان أنها أصرت على تنفيذ ما تريد دون أن تعود الى الناس وأرعبها بشدة تظاهر الناس في الميدان وكأنها فجأة تفتح عينها على المثال المجاور لها في سورية.

السؤال الأهم لماذا تخشى الأنظمة الحركة السلمية وتفضل الحركة المسلحة؟ وهو سؤال يقودنا للحالة السورية التي أجبرت حراكها السلمي للدفاع عن نفسه وحمل السلاح لأسباب مهمة. أهمها أن القتال والذي تتصور فيه قدرتها المطلقة على الانتصار فيه يبقيها الطرف الأقوى في النزاع وربما يكسبها أنصارا كونها تدافع عن بقاء النظام مقابل الفوضى. ولأن سلمية أي حراك سيجبر الدولة الى مواجهة غير متكافئة مع شعبها الأعزل، فهي لا تستطيع أن تقنع أحدا بأنهم ثوار ارهابيين تسللوا الى أراضيها وليس بمقدور الجيش وهو القوة الكبرى في الأنظمة الشمولية أن يقاتل من لا يحمل السلاح فتسقط الأنظمة.

back to top