تصديت لهذه المشكلة من قبل في مقالة بعنوان "وهذه المواجهة كيف ستُحسم؟". وبغض النظر عن المناخ الدولي المحاط بالدول العربية، فإن مجتمعات هذه الدول تعاني احتمال حدوث هذه المواجهة، حسب الوضع الداخلي لكل بلد، "وإن حدث تغيير لها أم لم يحدث، فإنها فرصة لاحتمالات حدوث تلك المواجهة بين المعسكرين"؛ دعاة المجتمع المدني من ناحية ودعاة المجتمع الديني من ناحية أخرى، كما هو حادث في مصر الآن.

Ad

إلى ذلك، فإن "التجربة، لسنة واحدة أقنعت المصريين بعزل الحاكمين؛ لذلك خرج ثلاثون مليوناً من المؤيدين لقرار العزل، ورغم أن السلطات التي استلمت بعد قرار العزل أبدت قدراً هائلاً من ضبط النفس والمراعاة للأعراف المتبعة في عالمنا مع المعارضين، فإن هذه المعارضة بلغت شأواً بعيداً ولم تقف عند حد. وكانت "القيادات" في تلك المعارضة تفضل أن يتدخل الأجانب ونتفاهم من خلالهم مع العناصر الوطنية الحاكمة، على أن تتفاوض مباشرة مع تلك العناصر.

عندها سمحت العناصر الوطنية الحاكمة للتدخل الأجنبي حقناً للدماء، وهنا ركض المندوبون الأوروبيون والمندوبون الأميركيون إلى القاهرة ولم يضيعوا وقتاً. واتضح أن قيادات المعارضة تريد أن تفرض شروطها وأن ينال أولئك المندوبون الأجانب شرف نجاح وساطتهم، فلم تبلغهم العناصر الوطنية ما يريدون، وعدنا إلى نقطة الصفر، ننتظر الفرج! عندها، وكان اليوم يوم جمعة، جاء إعلان تلفزيوني أن الملك عبدالله بن عبدالعزيز سيدلي بكلمة حول أحداث مصر، والعادة ألا يتدخل السعوديون في شؤون غيرهم، فماذا نراهم قائلين؟ وكانت ثمة اتصالات للاستفسار عما سيتناوله الملك عبدالله. وأخيراً، جاءت كلمة الملك، فإذا بها برداً وسلاماً على قلوب محبي مصر، لقد بلغ السيل الزبى، وكان لابد من رد عربي على ذلك التدخل الأجنبي، وكان واضحاً أن من يتدخل في شؤون مصر يوقد الفتنة ويشجع الإرهاب.

ومع كلمة الملك عبدالله جاء موقف وتحرك سعودي داعم على الصعيد الدولي، تمثل بزيارة الأمير سعود الفيصل إلى باريس، وكانت تصريحاته أمام فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه الرسمي، تلقي ضوءاً جديداً على الوضع المصري.

فقد قال في تصريحه، إن كلمة الملك عبدالله بشأن دعم مصر، تمثل وقفة حق وعز، وإن السعودية والدول العربية الأخرى لن تترك مصر لوحدها، وسيكون هناك موقف عربي واحد غير قابل للتراجع والتفكك. وقد التقط الفريق أول عبدالفتاح السيسي كلمة الأمير سعود الفيصل، فقال لضباط الجيش المصري: "اسمحوا لي أن أوجّه كلمة شكر إلى الملك عبدالله والمملكة العربية السعودية، وكذلك إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت الشقيقة والمملكة الأردنية الهاشمية ومملكة البحرين"... وقد صفق الضباط المصريون طويلاً لهذه الدول.

وأضاف الفريق أول السيسي في كلمته أن الملك عبدالله قد تحرك بالنسبة إلى مصر مثلما تحركت القيادة السعودية عام 1973م، وهو تحرك تمثل بقرار الملك فيصل قطع النفط عن الدول المؤيدة لإسرائيل.

ونتيجة لهذا التفاعل بين القيادتين المصرية والسعودية فقد تبلور مفهوم كلمة الملك عبدالله في دعم مصر فتمثل بالمبادئ التالية:

1- الدعم السعودي والعربي لمصر.

2- التحرك السعودي والعربي على الصعيد الدولي لدعم مصر.

3- تبلور مفهوم "عربي" خالص لكلمة الملك عبدالله ومغزى الموقف السعودي.

4- ما أشار إليه الأمير سعود الفيصل في تصريحه بالإليزيه بباريس وهو ما غاب عن أكثر المناقشات العربية المؤيدة لمصر- كيف نصف ما حدث في مصر بالانقلاب وقد تولى رئاستها مدني، هو رئيس المحكمة الدستورية.

5- التمايز عن الموقفين التركي والإيراني من مصر، فقد أيدتا "الإخوان" وأدانتا عزل مرسي، وهي رغبة في التمايز عن دعاة الدولة الدينية.

6- الاستقلال عن الغرب الأوروبي والأميركي الذي أراد التدخل في الشأن المصري بتهديده بقطع المساعدات عن مصر، وقال السعوديون إن السعودية ستدعم مصر ومعها كل العرب... إلخ، وهو ما يذكرنا بالموقف السعودي المشرف من حرب السويس عندما أممت مصر قناتها واستعدت للعدوان الثلاثي... وكان الأمراء السعوديون قد لبسوا اللباس العسكري إشارة إلى انضمامهم للجيش المصري المحارب.

هذه مجموعة من المبادئ والقيم العربية النبيلة التي تضمنتها كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في تأييد مصر وتأكيد الدعم السعودي والعربي لها، والرد على التدخلات الاستعمارية الغربية، وكذلك الرد على الموقفين التركي والإيراني اللذين يريدانها دولة دينية.

إن مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى هذا التحرك، تؤكد عروبته واستقلاليته وسيذكر التاريخ، وستذكر الأجيال له هذا التحرك، والله من وراء القصد.

* أكاديمي ومفكر من البحرين