حول الثقافة الداوية
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
من أعراض هذا المرض، تطفو صور بشعة لثقافة عدم الاكثراث للمال العام، أو الملكية العامة، فتدميرها أو إهمالها يصبح أمراً عادياً عند الناس، كتدمير البيئة البرية والبحرية ورمي المخلفات في الأماكن العامة والشوارع تصبح، بمجملها، مسائل سلوك مألوف عند الناس، وليس لها عقاب فاعل، ولو كانت، هناك فرضاً، نصوص عقابية إلا أنها لن تكون مفعلة، بسبب استشراء الحالة الداوية، ومصاحبتها لأمراض الواسطة والمحسوبية وشراء الولاءات في مجتمع غلت فيه يد القانون، أو تحرك بطريقة انتقائية. فحين يمد أحد المواطنين من سور عقاره قليلاً خارج المنزل مثلاً، أو يحاصر الشاطئ بـ"مسنات" وحوائط عزل، فلا جزاء، لأن مضمون دفاع ذلك المواطن يتلخص في حكمة "حالي من حال غيري" الأكبر والأهم، ومادمتم قد سكتم عن أكبرها وأسمنها، فلماذا يتم استثنائي...؟! الموظف لا يلتزم بمواعيد الدوام، لأن قدوته ومثاله "الأخ الاكبر"، الذي يقبض الآلاف والملايين، ويغتني في لحظات منسية من العمر الكويتي، لا يساءل بدوره عن جهده وعمله، وبطبيعة الحال، ولن يتم طرح سؤال: من أين لك هذا؟! الغش والنهب في تنفيذ المشروعات العامة وعدم إنجازها في الوقت المحدد بالعقد من قبل مقاولي الدائرة الضيقة، ليس مهماً لغياب المحاسبة، وإن تمت أحياناً فهي تحدث بمنهج فارغ خاو معروفة نتائجه سلفاً، وتختم بعدم الإدانة أو حفظ التحقيق لعدم كفاية الأدلة أو غياب النص القانوني المجرم، كما حدث في قضية الودائع المليونية لبعض النواب السابقين، وتكون بالتالي وسيلة لذر الرماد في الأعين، حبكت بشكل أراجوزي ممل يضج سماجة، ويعرف الجميع نتائجه مقدماً، وسرعان ما يطوى الموضوع في دائرة النسيان، والمواطن عادة، لن يكترث، فهو لا يدفع ضريبة تشعره بأنه يملك جزءاً من هذا المشروع، وأن الأموال التي أهدرت هي أمواله في النهاية.حالات أعراض طاعون الداوية لا يمكن حصرها، بدأت من ابتلاع أراضي الدولة بالبراميل، واحتكار العقار بالتالي من ملاك البراميل الكبار الحيتانيين، وبيعها في ما بعد مجزأة لسمك أصغر منها، والتي تقوم بإعادة دورة الاحتكار وتعيد تقسيمها، ثم يعرض المحدود من الأرض على المواطن، وهو، هنا، السمكة الصغيرة التي تبتلع مدخراتها لبيت العمر بأسعار خيالية.لا نهاية للحالة الداوية، ولا علاج لها بغير قيام مؤسسات شفافية محايدة، تراقب أعمال السلطة في الدولة، والسلطة المعنية هنا بمفهومها الواسع التي تشمل كل السلطات، والتي عليها بدورها أن تراقب وتحد من تفرد أعمال السلطات الأخرى، وهذا غير موجود، وبهذا المجلس النيابي المفصل على مقاس أنا وحدي، تم إعدام "القليل" المتبقي من الرقابة المالية، بعد أن تم استلحاق السلطة التشريعية بالسلطة الحاكمة، وأشهرت الثقافة الداوية رسمياً ونشرت في الجريدة الرسمية بحبر سري لا يفكه غير الضالعين في بحور الفساد.