بينما تتصاعد الضغوط على نظام بشار الأسد أولاً بعد تقرير المفتشين الدوليين الذي أثبت فعلياً بالأدلة القاطعة مسؤولية هذا النظام عن جريمة استخدام أسلحة الدمار الشامل (الكيماوية) ضد الشعب السوري في الحادي والعشرين من أغسطس الماضي، وثانياً بعد الاتفاق الأميركي- الروسي على نزع هذا السلاح الكيماوي وتدميره وفق مهلٍ زمنية محددة، يبدو أنَّ الهلع قد دفع طهران إلى إبداء ما تعتبره نوايا حسنة لتفادي ما يتعرض له النظام السوري الآن من تهديدات قد تصل فعلاً إلى تنفيذ الضربة العسكرية المؤجلة.

Ad

وحسب العضو السابق في الفريق الإيراني المفاوض مع الغرب حول سعي إيران لإنتاج الأسلحة النووية حسين موسيان، المقرب من الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، فإن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي قد فوَّض الرئيس المعمم الجديد حسن روحاني بإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة حول الملف النووي... وهذا إنْ صح، وأغلب الظن أنه صحيح كل الصحة، فإن الملاحظ أنه قد جاء بعد تحذير أميركي لطهران جاء على لسان الرئيس باراك أوباما بأنه: "على الإيرانيين ألا يستنتجوا أن عدم توجيه ضربة عسكرية لسورية يعني أننا لن نضربهم".

وفي الوقت ذاته فقد ذكرت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية أنَّ حسن روحاني مستعد لإغلاق محطة "بوردو" لتخصيب اليورانيوم مقابل رفع العقوبات الغربية عن بلاده، وأيضاً، وحسب هذه الصحيفة نفسها، فإن الرئيس الإيراني سيفصح عن تفاصيل عَرْضِهِ هذا في الكلمة التي سيلقيها أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي من المقرر أن تنعقد في نيويورك في نهاية الشهر الجاري، والتي من المفترض أن يحضرها، إلى جانب رؤساء وقادة دولٍ أخرى كثيرة، الرئيس الأميركي باراك أوباما.

وبالطبع فإن أغلب الظن أن هذه مناورة إيرانية هدفها إغراء الولايات المتحدة بإلغاء ضربتها العسكرية المقررة ضد نظام بشار الأسد إن بدرت منه أي ألاعيب وأي مماطلات للتملص من الاتفاق الأميركي- الروسي المتعلق بالأسلحة الكيماوية... وإلا فما معنى أن يُنْقل عن الرئيس حسن روحاني قوله: "إنها فرصة لا تتكرر لإنهاء عقود من العداء، وإنه على أميركا أن تفهم أنها لو هاجمت سورية لأضاعت هذه الفرصة الذهبية المتاحة لإيجاد حل مشرف للملف النووي الإيراني".

وهنا فإن على المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، الذي هو الولي الفقيه ولا يوجد في إيران أي قرار على هذا المستوى إلا قراره، إذا أراد أن يجنب بلاده مصيراً كالمصير الذي ينتظر نظام بشار الأسد، سواءً أطال الزمان أم قصُر، فإن عليه أن يمهد لعلاقات حُسن جوار مع "أشقائه" العرب قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وقائمة أيضاً على المصالح المشتركة وهي كثيرة ومتعددة ومتداخلة ومهمة.

إنه على السيد خامنئي أن يدرك، وهو يدرك هذا بالتأكيد، أنه لولا تدخل إيران سابقاً ولاحقاً، إن في عهد الشاه محمد رضا بهلوي وإن في عهد الإمام الخميني والثورة الإيرانية، في الشؤون العربية الداخلية التي بلغت ذروتها بعد إسقاط الأميركيين ومَن كان معهم لنظام صدام حسين، لما اعترض العرب على هذا البرنامج النووي الإيراني، ولكانوا من الداعمين لإنتاج طهران لقنابل ذرية مقابل إنتاج إسرائيل لقنابلها النووية.

أمَّا أن تستمر إيران في ارتكاب كل هذه الجرائم التي ترتكبها في العراق، وأن تتدخل كل هذا التدخل في سورية وتدعم نظام بشار الأسد كل هذا الدعم، وتشارك في كل ما يرتكبه من جرائم ومذابح ضد الشعب السوري، وأنْ تُهدِّد منطقة الخليج العربي كل هذا التهديد، وأن تمد يدها نحو قضية فلسطين وتدق "إسفيناً" كبيراً في الوحدة الوطنية الفلسطينية وتقيم هذه الدويلة "الحماسية- الإخوانية" في غزة، فمن الطبيعي أن يتخذ العرب هذا الموقف الذي يتخذونه، وأن يقاوموا كل المحاولات الإيرانية الجارية، منذ أعوام عدة، لإنتاج أسلحة الدمار الشامل الفتاكة.