بعد بحث غير قصير وجدت أن مصطلح "التفكير الأمنياتي" هو الترجمة الأكثر ملاءمة للمصطلح الأجنبي المقابل "Wishful Thinking"، وقد وجدت لهذا المصطلح العديد من التعريفات الغربية التي لم تختلف أبداً عن بعضها بعضاً، ودارت جميعا حول معنى أن يقوم الشخص بالتفكير بالموضوع الذي يهمه ويعنيه على طريقة استقبال وانتقاء المعلومات وتفسير العلامات والإشارات على الوجه الذي يسعده ويلبي أمنياته لا على حقيقة معانيها وصادق دلالاتها، أو كما قال أحد المصادر، التفكير المستند إلى "الأوهام" على أمل أن تصبح "حقيقة"!

Ad

وعلى الرغم من غرابة هذا النمط من التفكير ومجافاته للمنطق السليم، فإن التفكير الأمنياتي قد أصبح اليوم أشبه ما يكون بالوباء بين الناس، وقد كنت أظن أن الفئة الأكثر عرضة للوقوع في فخ هذا النمط المعتل من التفكير هي فئة بسطاء التفكير والسذج، فإذا بي أفاجأ أنه انتشر كثيراً إلى الحد الذي صار يظن أنه ما عاد يستثني أحداً، بمن فيهم الكثير ممن كنت أحسبهم من المثقفين، وأعدهم مع راجحي العقول وأصحاب التفكير العقلاني المنضبط من الذين لا يمكن أن نظنهم يميلون مع أهوائهم وأمانيهم!

من يتابع ما يُكتب ويُنشر في الإعلام التقليدي وفي وسائل التواصل الاجتماعي، يجد أن أغلب القوم ما عادوا يميلون في كتاباتهم وتعليقاتهم وتحليلاتهم نحو ما يعتنقونه ويؤيدونه على حساب الموضوعية والمهنية والمصداقية فحسب، إنما صاروا لا يستندون ولا ينشرون ولا يعيدون نشر إلا المعلومات والإشارات التي تتوافق وأهواءهم، بل لا يتورعون عن الاستناد إلى أنصاف الحقائق وأرباعها حتى أقل من ذلك، بغض النظر عن قيمة مصادر هذه المعلومات، وذلك بطريقة واهمة لا تخدم إلا أمانيهم، ويغيِّبون ويخفون في المقابل كل ما من شأنه أن يعارض مبتغاهم ويسند وجهة النظر الأخرى، فلا يعتبرونه أبداً، بل يشيحون بوجوههم بعيداً عنه وكأنه بهذه الطريقة سيتلاشى ويختفي!

والمشكلة هنا يا سادتي لم تعد تتوقف عند فكرة أن هذا الفعل ليس من المصداقية والموضوعية في شيء، ولكنه أيضا قد كشف عن أن كثيراً من هؤلاء القوم هم في الواقع أسرى لمرض خداع النفس، وأنهم يعيشون في مستنقع الوهم، ويحاولون جر قرَّائهم ومتابعيهم معهم إليه.

وبالمناسبة فأكثر ما يُستَخْدم نمط التفكير الأمنياتي حين التعليق والحديث حول الصراعات السياسية، ويزداد الأمر سوءاً عندما يكون هذا الصراع مشوباً بالطائفية أو ملتبساً بالمعطيات الدينية، فحينها نرى القوم لا يرون إلا الجوانب والزوايا التي تسعدهم وتدغدغ أمانيهم، ويتعامون عن كل ما عدا ذلك!

قد يكون هذ النمط من التفكير مضحكاً في وجه من وجوهه، ولكنه خطير جداً عندما يصدر عمن يحسبهم الناس في صفوف قادته من المثقفين والمفكرين والساسة وغيرهم، فهؤلاء من يُظَن فيهم أن يكونوا هم البوصلة فيدلون الناس على الطريق القويم، فإن اهتدوا اهتدى الناس، وإن هم حادوا عن الجادة حاد الناس من خلفهم وتاهوا، وهذا ما نراه قد حصل اليوم مع شديد الأسف.