-1-

Ad

مسألة مهمة وشاقة، على الرئيس محمود عباس أن يكون فيها قاطعاً، وصريحاً، وواضحاً، وهي التي سوف تنقل محمود عباس الزعيم الفلسطيني من خانة القبلية السياسية العربية، إلى خانة الحداثة السياسية، ومن خانة التشنج العُصابي الهاذي، إلى خانة الواقعية السياسية الرشيدة، ومن خانة الانصياع لحكم الشارع الفلسطيني الجائع، والعاري، والفاقد للأمل، إلى خانة الاحتكام للرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، الذي يشكل الورقة الرابحة الوحيدة بيد الفلسطينيين العقلاء، ومنهم محمود عباس ومدرسته الفلسطينية السياسية، التي من أبرز ملامحها، وبكل إيجاز، حلّ القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات، وليس من خلال فوهة البندقية، كما يقول الفلاحون الماويون الشيوعيون الصينيون، والأصوليون الدينيون، والقوميون الفلسطينيون، الذين يلتقون في الكفاح المسلح مع أساليب الحرب الباردة، وما قبل انهيار جدار برلين، ومن قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ولا يرون التغيرات السياسية الهائلة التي حصلت بعد 1991، وبعد كارثة الحادي عشر من سبتمبر 2001.

المسألة المهمة والشاقة، التي يجب أن يتصدى لها محمود عباس بقوة، هي مسألة عودة الفلسطينيين في الشتات إلى وطنهم، أو ما يطلق عليها "مؤامرة التوطين"، وتصريحه للصحافة، بأنه لا يمانع إطلاقاً في منح الفلسطينيين المقيمين في الدول العربية جنسيات الدول التي يقيمون فيها، مع الاحتفاظ بحق العودة لمن يشاء أن يعود، عندما تتيسر له العودة، ويُفتح طريقها مستقبلاً.

  -2-

مسألة عودة الفلسطينيين في الشتات والمزروعين في المخيمات العربية (معظمهم في لبنان، وسورية، والأردن) منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان، وفي معيشة حقيرة، وزرائب أشبه بزرائب الحيوانات، هي مسألة يُلام عليها المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وإسرائيل، والعرب، والدول العربية المستضيفة لهؤلاء الفلسطينيين، الذين يُقدر عددهم في هذه الدول، وفي بقية أنحاء العالم العربي بستة ملايين نسمة. منهم مليونان في الأردن وحدها، وقد (جُنِّس معظمهم)، باعتبار أن المرأة الفلسطينية من أكثر النساء العربيات ولادة وإنجاباً للأطفال، لكي يكونوا وقود حروب الاستنزاف، والعمليات الانتحارية، التي تقوم بها الأصولية الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة.

  -3-

لقد أدرك قسم من عقلاء القيادة الفلسطينية، استحالة عودة كل فلسطينيي الشتات إلى أوطانهم الأصلية، فدعا المستشار والوزير السابق لشؤون القدس- مثالاً لا حصراً- زياد أبو زياد في عام 2002، إلى التنازل عن حق العودة إلى إسرائيل. كما اقترحت "مجموعة زياد أبو زياد"، في "منتدى الشرق الأوسط"، التابع لجامعة كاليفورنيا، وشارك فيه إسرائيليون، أغلبهم من مركز "يافي للدراسات الاستراتيجية" في جامعة تل أبيب، وإلى جانبهم شخصيات عامة وأكاديمية من فلسطين، ومصر، والأردن، وإيران، وأميركا كذلك، متجاوزين قرار الأمم المتحدة رقم 194. فاقترحت هذه "المجموعة" حق العودة من خلال عودة اللاجئين إلى حدود الدولة الفلسطينية الجديدة، التي ستقام في الضفة الغربية، وقطاع غزة، وكل الأماكن التي ستسلمها إسرائيل في إطار معادلة تبادل المناطق.

وهي صحوة، وإن جاءت متأخرة ومن صوت أحادي، بعد أن ارتكب العرب آثام الصمت على هذه المشكلة، وبعد أن تفاقمت مشكلة عودة النازحين التي أصبحت ككرة الثلج تكبر يوماً بعد يوماً كلما تدحرجت، إلا أنها تصبُّ في التفكير العقلاني، والمسلك السياسي الواقعي، للقيادة الفلسطينية. وبشائر استراتيجية جديدة للفكر السياسي الفلسطيني.

  -4-

وفي محادثات طابا بين إسرائيل والفلسطينيين، بداية عام 2001، جاء القرار المتعلق بتشكيل "لجنة مصالحة ومبادئ" لحل مسألة اللاجئين، ونصَّ على ما يلي:

"أولئك اللاجئون، الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم، والعيش بسلام مع جيرانهم، سيسمح لهم ذلك في أقرب وقت ممكن".

كما نصَّ على التالي:

"أولئك الذين لا يرغبون في العودة، يستحقون التعويض لقاء أملاكهم، وفقاً لقواعد القانون، والعدل الدولية".

وبالمقابل، رفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية هذا التفسير، من خلال تحليل قانوني، موجود على موقعها على الإنترنت، على نحو لا يقبل التأويل، وهذا التحليل القانوني يقول:

"لا يوجد أي ميثاق دولي، أو قرار للأمم المتحدة بما في ذلك القرار 194، يُقرُّ بأن للفلسطينيين الحق في العودة إلى الأراضي السيادية لدولة إسرائيل".

وقالت روت لبيدوت، الأستاذة في الجامعة العبرية، والمستشارة في وزارة الخارجية سابقاً، والتي مثلث إسرائيل في لجنة تحكيم مسألة طابا بين المصريين والإسرائيليين:

"إن القرار لا يعترف بالحق، بل يوصي بالسماح للفلسطينيين الراغبين في ذلك بالعودة إلى منازلهم. كما أن مضمون القرار 242 هو الأرض مقابل السلام". ورغم ذلك لم يمنع هذا التفسير الحكومات الإسرائيلية من تحويله إلى المرجعية، بالنص الإنكليزي، وبالتفسير الإسرائيلي، لحل النزاع حول [أراضٍ محتلة]".

  -5-

إن العرب يعلمون، وإن القادة الفلسطينيين يعلمون، وقادة الفصائل الأصولية الدينية والقومية الفلسطينية المسلحة يعلمون، والرأي العام العالمي، والمجتمع الدولي، ومجلس الأمن، والأمم المتحدة، واليمين واليسار الإسرائيلي يعلم كذلك، أن عودة هذه الملايين (ستة ملايين الآن في الشتات) إلى إسرائيل والضفة الغربية وغزة، هو من سابع المستحيلات، وذلك للأسباب التالية:

1- أن عودة هؤلاء جميعاً إلى إسرائيل وفلسطين ما قبل 1948، معناه القضاء على الدولة العبرية، والإطاحة بها سكانياً. إذ إنهم سيصبحون بعد فترة قصيرة هم الأكثرية في فلسطين، وبالتالي سوف يطالبون بالحكم والدولة. إضافة إلى أنهم سوف يشكلون عبئاً اجتماعياً، واقتصادياً، وتعليمياً، وصحياً، على الدولة العبرية، مهما حاول الاتحاد الأوروبي، أو أميركا، التبرع بأموال. وهذا ما لن يقبل به المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، ومجلس الأمن، أو أي صفة شرعية في العالم، بعيداً عن كل عواطف العرب والمسلمين، وجمعيات حقوق الإنسان... إلخ.

2- إن عودة هؤلاء جميعاً إلى الضفة الغربية وغزة، سوف يُربك السلطة الفلسطينية إلى عشرات السنوات القادمة، فيما لو علمنا أن السلطة الفلسطينية ترثُ الآن شعباً في آخر قائمة شعوب الأرض، بعد أن بلغت عنده نسبة البطالة أكثر من ستين في المئة، وخط الفقر تجاوز الخمسين في المئة، ومعدل دخل الفرد السنوي لا يتجاوز خمسمئة دولار سنوياً. ولو قبلت السلطة الفلسطينية باستيعاب ملايين الفلسطينيين في الشتات، فمعنى هذا زيادة كل هذه الكوارث على الشعب الفلسطيني بنسب عالية، مما يهدد بانفجار حقيقي في المجتمع الفلسطيني، لا تُحمد عقباه. زيادة على ذلك سوف ترتفع أسعار الأراضي والعقارات إلى درجة لا يقدر الفلسطيني على العيش بأكثر من مئة سنتيمتر مربع!

* كاتب أردني