مقالي هذا يأتي قبل رأس السنة الجديدة بيوم، لذا أتمنى للجميع سنة سعيدة تغسل كل مساوئي التي سبقتها وبما حملته من ربيع لم يأت بحلم شعوب قامت به، ولم تأتهم بربيع طال انتظارهم له، لعل هذه السنة تكون أفضل من أختها، حتى وإن حملت رقما يتشاءم منه البعض.

Ad

مقالي اليوم يخص الشأن الكويتي وما يحدث فيه من عنف يهز جذور طبيعته المسالمة التي رُبينا عليها وعشنا تحت ظلها المحب والمتسامح البعيد تماما عن ما يحصل فيها الآن، من سلوك عدواني همجي انتقامي يهز ويزعزع أمن المجتمع والطمأنينة التي عرفناها، وكانت أساس ودعامة الحياة في الكويت.

ما يحدث فيها الآن يحتاج إلى وقفة جادة حازمة، وإلى معالجة سريعة باترة، ليست بشكل بحوث توضع كالعادة على أرفف ليأكلها النسيان وعثة غباره.

فالجريمة المروعة التي تمت في أكبر وأرقى مولات الكويت وذُبح فيها دكتور شاب عمره 26 سنة أمام رهط من المتسوقين الذين شاهدوا دمائه تفور على رخام المجمع بين أقدامهم، الطبيب الذي تم ذبحه وجزره من قبل شاب عمره 22 عاما ومجموعة من أصدقائه، تسلم عمله كطبيب قبل ثلاثة أيام فقط، لم يهنأ بممارسته لمهنته ويفرح أهله به.

هذه الجريمة سبقتها بيوم جريمة مماثلة وأعقبتها في اليوم الذي بعده جريمة أخرى في محطة البنزين، لكن الله مد في عمر المطعون الذي لم يمت فيها، وجاءت جريمة أخرى في اليوم الرابع أيضا لشاب طعن بسكينه حارساً مصرياً رفض أن يدخله إلى قاعة حفلات أعراس تخص النساء فقط، فما الذي يحدث في الكويت الآن ويسبب كل هذا العنف فيها، حيث تحدث جريمة كل نصف ساعة، وفقاً لاستطلاع جريدة القبس الجادة.

فهل الكويت التي هي بحجم دبوس على خريطة العالم باتت تماثل الدول الكبرى بحجم الجريمة؟

مدينة ميامي الأميركية تحدث فيها جريمة كل خمس دقائق، وبحسب فارق الحجم وكبر المساحة ما بين الكويت وميامي صارت الجريمة في الكويت تعادل نظيرتها الأميركية، فما الذي رفع معدل الجريمة ليصبح هكذا؟

الغزو الذي خلف اختلالا هائلا عنيفا في نفوس الشباب الذين كانوا وقتذاك في العشرينيات من عمرهم لم يُعالج بشكل جدي كاف، وهو الذي زرع في أولادهم الذين أصبحوا الآن في العشرينيات من أعمارهم أيضا وهم أكثر عدوانية في سلوكهم من آبائهم الذين أورثوهم سلوكيات مخلفات الحرب العدوانية التي عاشوها ونزعت منهم الشعور بالأمن الذي كان، ومنحتهم إحساسا دائما بأن الكويت وطن زائل، على الجميع أن يغرف منه ما يستطيع نهبه وغرفه بأي وسيلة كانت، فحجم الفساد المستشري والمنتشر بين كل الإدارات والأجهزة الحكومية هو النموذج الأفضل لهم،

هذا إلى جانب طاقة الشباب المهدورة في الفراغ الفكري والثقافي وغياب الوعي، وعدم وجود هدف تربوي عظيم يأخذ بيدهم، فمجتمع التجار لا يعمل إلا على زيادة مفهوم الاستهلاك والإنفاق على المظاهر التي يتفننون بزيادة مخترعاتها التي تصب أرباحها في أرصدتهم، لا أحد فيهم يفكر في التضحية بقليل من ماله وتوظيفه في مشاريع تنموية ثقافية تربي مفهوم الأخلاق وتعمل على إيجاد أهداف نبيلة تزيد من وعي الشباب الحضاري بسلوكهم الذي ينعكس على جميع تصرفاتهم وتحديد أولوياتهم وزيادة انتمائهم إلى وطن أغرقهم كما أغرق آبائهم من قبلهم بخيره حد الترف الذي أوصلهم إلى الشعور بفردية متَخمة ومتضخمة بذات متورمة ومتوحشة بسلطوية عالية لا ترى ولا تحس إلا بذاتها التي يجب أن تتحقق وتسود على الجميع.

التوحش في السلوك هذا انعكس على الشارع، فلم تعد الطرق إلا مذابح لقتل وهرس يومي لما تسلم أي أسرة منه، والجريمة تقع عند أهون سبب، حتى وإن كانت خلافا على أحقية الوقوف في موقف.

جريمة الأفنيوز جرس إنذار يتوجب على الدولة أخذه بجدية صارمة ووضع عقاب قوي رادع يقضي على الانفلات الأمني الحاصل بحزم، وإن يعاد النظر في المناهج التعليمة، ومراقبة التطرف وعدم فتح المجال أمامه بأي شكل كان، حتى لا يصبح الانفلات قاعدة وليس استثناء.