الرئيس الأميركي باراك أوباما وحلفاؤه في أوروبا إضافة إلى تركيا وبعض دول الخليج بلعوا الموس في الأزمة السورية، والرئيس الروسي بوتين هو الذي بلّعهم هذا الموس، وبات يتربع على كرسي الزعامة العالمية من جديد، فما السر في هذا التفوق الدبلوماسي والاختراق السياسي للروس في مقابل العالم الغربي برمته؟

Ad

سورية اليوم تحولت إلى منزلق لتصفية الخلافات الإقليمية والدولية، وباتت نواة الخارطة الجيوسياسية الجديدة التي تشكل منظمة الشرق الأوسط في المستقبل المنظور والبعيد نسبياً بعدما رمت العديد من الدول بثقلها في أتون مسرحها الدامي والمعقد.

والروس بدورهم في منتهى القلق من فقدان آخر معقل لهم في العالم العربي، وخاصة أن سقوط دمشق في أيدي الإسلاميين المتشددين قد ينقل العدوى إلى حديقتهم الخلفية، ولذلك تميز موقف موسكو بالثبات منذ البداية، وأثبت أنه ذو بعد استراتيجي ورؤية منسجمة مع نفسها.

أما الموقف الغربي فقد اندفع بقوة خلف عنوان واحد فقط، وهو إسقاط نظام بشار الأسد دون النظر إلى البدائل المرجحة لخلافته، ولم تتوقع هذه الدول وبكل أجهزتها الاستخباراتية أن يصمد النظام بهذا الشكل، ومعه حلفاؤه الإقليميون والدوليون، وكانت التوقعات السطحية بأن تلتحق سورية بقطار الربيع العربي السريع أسوة بتونس ومصر وليبيا مجرد أمنيات ورهان خاسر.

وما بين الانتظار الزمني الطويل وتبعات الثورات العربية تعقدت المسائل عند أصحاب القرار في أوروبا وتركيا والولايات المتحدة وحتى الدول الخليجية، فمن جهة كانت نتائج الربيع العربي إسلامية وبدسم كامل، ومنها النفوذ القوي للتيارات المتشددة سياسياً وعسكرياً.

 ومن جهة أخرى فإن السنتين الماضيتين كانتا كفيلتين بإظهار الخلافات العميقة لقوى المعارضة السورية إلى السطح وعدم قدرتها على الانسجام وخلق كتلة موحدة خلف مطالب موحدة وواضحة، ولهذا تحول الرهان إلى صب الزيت على النار، وتحويل الأرض السورية إلى مقبرة يقتتل فيها النظام وفصائل المقاتلين الإسلاميين المتشددين حتى يضعفا سوية أو يبيدا معاً.

وإزاء هذه التطورات سدت روسيا كل الأبواب أمام أميركا وحلفائها، سواء في مجلس الأمن أو في حلف الناتو لتكرار تجربة العراق وليبيا، ويبدو أن حوارات الكواليس بين بوتين وأوباما أقنعت الأخير بأن الخيار الروسي في المفاوضات هو سيد الموقف، ولذلك بدأت العواصم الغربية تتراجع تباعاً عن خطابها المتشدد وقبول مؤتمر جنيف 2.

ويبدو أن الكمين السوري قد أطبق على الدبلوماسية الغربية حتى قبل جنيف، حيث كسب موافقة النظام السوري وحليفها إيران وبدون شروط مسبقة، في حين أن حلفاء المعارضة من الدول العربية والأوروبية وقعوا في "حيص بيص" وفي صراع مع الوقت بدؤوا يفكرون في "فرملة" الإسلاميين وتطعيم وفد المعارضة إلى جنيف بتيارات سياسية جديدة؛ لدفعهم قسراً لقبول الإملاءات الروسية.

درس قوي لقنه بوتين للغرب بعد كل هذه المليارات التي أحرقت في سورية، وأحرقت معها الأخضر واليابس والآلاف من السوريين دون جدوى!