نصح الرئيس أوباما الرئيس محمد مرسي حتى تتجاوز مصر محنتها، وأخبره بأن الديمقراطية ليست صندوق انتخابات فقط، بل هي أكثر من ذلك، فهي تعني أن تستمع الحكومة لصوت الجميع (واشنطن بوست عدد ٢ يوليو)، نصيحة في مكانها الصحيح، وبمثل هذا تصف الأستاذة سمر شحاتة الغليان المصري اليوم بأنه مواجهة بين ديمقراطيين غير ليبراليين (الإخوان والقوى الإسلامية المتحالفة معهم) ضد ليبراليين غير ديمقراطيين، (نيويورك تايمز ٢ يوليو) وهذا صحيح نوعاً ما، وليس بالإطلاق، وهو يعيدنا لكتاب فريد زكريا الذي نشر قبل بضع سنوات بعنوان الديمقراطية (غير الليبرالية)، فلا نتصور أن توجد ديمقراطية حقيقية لا تقوم على أساس الليبرالية، أي مبدأ التسامح وفتح المجال للقوى السياسية غير الفائزة في الانتخابات للمشاركة في صنع القرار السياسي مع الحزب الفائز، وهذا ما لم يفعله الرئيس مرسي، فهو وإن كان يمثل "الشرعية" القانونية كرئيس منتخب من الأغلبية مهما كانت نسبة نجاحه ضئيلة، إلا أنه بإعلانه الدستوري وباختياراته للقيادات السياسية همش الآخرين من ليبراليين ويساريين، وترك "جماعته وعشيرته" تهيمن على مفاصل الدولة، وفي الوقت ذاته تحدى سلطة القضاء و"حصن" (وأعوذ بالله من شرور تحصين ما لا يصح تحصينه) قراراته من الرقابة القضائية.

Ad

أخطاء كبيرة ارتكبها الرئيس الشرعي محمد مرسي، والذي قوضت شرعيته القانونية بعد أن انتفضت عليها "الشرعية الجماهيرية"، فهل توجد حقيقة شرعية جماهيرية، أو "شرعية ثورية"! تلك التعابير تذكرنا بأيام الانقلابات العسكرية التي عصفت بالمنطقة العربية بعد الاستقلال، حين تذرعت تلك الجماعات العسكرية بالشرعية الثورية، وقوضت الملكيات الحاكمة التي كانت رغم حجم فسادها الكبير وإهمالها لشرائح عريضة من البؤساء أفضل تمثيلاً للشرعيات الدستورية من الأنظمة العسكرية التي انتزعت السلطة من الملكيات التابعة للمستعمر الإنكليزي أو الفرنسي.

من هنا يظهر أكثر من كاتب غربي يشبه واقعنا العربي اليوم بأوروبا عام ١٨٤٨، وهي أوروبا الثورات التي شملت معظم القارة الأوروبية –باستثناء إنكلترا وبلجيكا- وامتدت حتى البرازيل، وكانت سنة ميلاد البيان الشيوعي لماركس وانغلز. فقامت ثورات ليبرالية برجوازية وأزاحت أنظمة الحكم الملكية، إلا أن قوى الثورة المضادة، في ما بعد، لم تمكنها وعادت الملكيات بعد فترات اختلف زمنها في كل بلد، الآن عودة الملكيات كانت بصورة غير السابقة، فقد عادت لتتطور في ما بعد بشكل الملكية الدستورية. نلاحظ أن ثورات ١٨٤٨ ولدت ومعها وقبلها دعاة فكر متميز ثقيل، مثل ماركس وانغلز وبرودن وتوكفيل وغيرهم، بينما في ثوراتنا لم تنجب الأرض ولم تخلق الظروف التاريخية مثل تلك الأسماء المبهرة التي غيرت مسار التاريخ في أوروبا وما بعد أوروبا، بل حبلت الأرض العربية برجال مثل بن لادن والظواهري ومن على شاكلتهما.

كما أن البعض الآخر من الكتاب يشبه حال مصر الآن ومعها تركيا (والبرازيل اليوم) بأوروبا ١٩٦٨ (ثورة الطلبة أو الثورة الجنسية)، وهذا تشبيه غير دقيق، ففرنسا ومعظم دول أوروبا في تلك السنة كانت تحيا رخاء اقتصادياً ما بعد الحرب الثانية، والصراع انفجر ليس لأسباب اقتصادية وعدالة اجتماعية فقط، كان صراع أجيال عند المؤرخ اليساري الراحل المؤرخ توني جودت، ولا تشابه في النهايات بين الرئيس مرسي اليوم وديغول الأمس، فهما وإن اشتركا في "فردانية" الإدارة السياسية نوعاً ما، إلا أن محرر فرنسا بعدما جاء الاستفتاء العام لغير صالحه تقدم باستقالته ورحل، ولا يظهر أن مرسي سيفعل مثله... وبكل حال ففرنسا ٦٨ أقرب لتركيا "أردوغان" اليوم منها إلى مصر، فالأخيرة تعاني أسوأ أوقاتها الاقتصادية بعد الثورة، فمعدلات البطالة تزايدت، وانخفضت السياحة إلى أدنى مستوياتها... وليس في جيب مرسي إلا وصفات قديمة من تراث مبارك لحل معضلة مصر الاقتصادية بعد الثورة، كان هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ألم يكن من المتصور أن يرد الرئيس المصري على نصيحة أوباما، ويسأله: ماذا فعلت أميركا للربيع العربي، هل مدت يد العون لدوله وانتشلتها من دوامة الفقر...! هل خطر ببال العم أوباما مثل مشروع مارشال الذي أنقذ الاقتصاد الأوروبي بعد الحرب كي ينقذ اليوم روح الربيع الذاوية...! فقط وقف الرئيس الأميركي يتفرج ويقدم النصيحة عن الليبرالية الديمقراطية لرئيس دولة تختنق اقتصادياً... وتمهد أرضها والأرض العربية حولها لعودة أشباح بن لادن وطائراته والزرقاوي وسكاكينه...!