استمرارية المجلس مرتبطة بتصرفات نوابه أكثر من أي شيء آخر

Ad

ما أظهرته جلسة مجلس الأمة الثلاثاء الفائت هو تبدُّل مواقع بعض النواب، بعد أن تغيرت وجوه المجلس واختفت قوى المعارضة التقليدية، وغابت التيارات والكتل السياسية، فأصبحت الأغلبية النيابية الحكومية في مجلس 2009 أقلية «تأزيمية» في مجلس 2012، لتواجه المأزق ذاته الذي عانته المعارضة في مجلس 2009.

يبدو أن مجلس الأمة يسير بخطوات ثابتة نحو طي صفحة أعماله بأسرع مما يتوقع أكثر المتفائلين.

والعوامل المؤثرة في حل المجلس تنبثق هذه المرة من داخله، رغم فعالية حراك المعارضة الشعبي، غير أن استمرارية المجلس من عدمه مرتبطة بتصرفات نوابه اكثر من اي شيء آخر.

هذه القناعة يبدو انها راسخة لدى غالبية النواب، لذلك تداعوا الى اجتماع في مكتب رئيس مجلس الأمة علي الراشد عشية جلسة مناقشة الاستجوابين المقدمين من النائبين حسين القلاف وفيصل الدويسان لوزيرَي المواصلات والداخلية على التوالي.

فبعدما لوحت الحكومة بـ"عدم التعاون" مع المجلس، سارعت الأغلبية النيابية الى الاتفاق على تأجيل الاستجوابات، وهو ما تم بالفعل في استجوابي وزيري المواصلات والداخلية اللذين تم تأجيلهما لما يقارب تسعة أشهر، وحتى دور الانعقاد المقبل.

ويبدو أن الموقف ذاته سيتكرر مع استجوابي سعدون حماد ونواف الفزيع المقدمين لوزيري النفط والمالية، اذ سيتم تأجيلهما ايضا الى دور الانعقاد المقبل... وهكذا سيتم التعامل مع اي استجواب يقدم الى اي من الوزراء، "فالحكومة لا تريد صعود المنصة لمواجهة اي استجواب سواء كان بجلسة علنية او سرية، لأن هذا المجلس شعاره التعاون والإنجاز والتنمية".

هذه الرسالة أوصلتها الحكومة إلى النواب، فاتفقوا على قرار التأجيل خلال اجتماعهم في مكتب الراشد، والذي لم يكن اتفاقا شفهيا، إنما عبر عريضة وقّعها أكثر من 22 نائباً التزموا فيها بدعم طلب الحكومة تأجيل الاستجوابات الى دور الانعقاد المقبل.

الحدث الأهم

الحدث الأهم في جلسة مجلس الأمة الثلاثاء الفائت، ليس تأجيل الاستجوابات، فعملية التأجيل لم تكن سابقة برلمانية، اذ تم تأجيل استجواب النائبين السابقين أحمد السعدون وعبدالرحمن العنجري لرئيس مجلس الوزراء السابق سمو الشيخ ناصر المحمد لمدة سنة في جلسة 17 مايو 2011 خلال مجلس 2009.

الأهم هو تبدل المواقف النيابية واختلافها في عملية التصويت بين مجلسي 2009 و2012، فليس قليلاً عدد النواب الذي غيروا مواقفهم من تصويت بالموافقة على تأجيل استجواب السعدون والعنجري في مجلس 2009 لمدة سنة إلى رفض تأجيل استجواب القلاف والدويسان مدة مماثلة تقريباً في المجلس الحالي، ومن ضمنهم مقدما الاستجوابين اللذان تبدلت مواقفهما خلال أقل من عامين.

المبادئ والمصالح

فهل تغيرت المبادئ والقناعات أم تبدلت المصالح والعلاقات حتى يحصل هذا التغيير والرفض الكبير لتأجيل الاستجوابات من قبل نواب كانوا الى وقت قريب يؤيدون التأجيل الى مدد غير محددة؟!

اللافت هو تبدل مواقع بعض النواب بعد ان تغيرت وجوه المجلس واختفت قوى المعارضة التقليدية، وغابت التيارات والكتل السياسية، فأصبحت الأغلبية النيابية الحكومية في مجلس 2009 أقلية "تأزيمية" في مجلس 2012 لتواجه المأزق ذاته الذي عانته المعارضة في مجلس 2009 عندما فشلت غالبية الاستجوابات التي قدمتها لأعضاء الحكومة في ذلك الوقت من قبل نواب تخصصوا في الدفاع عن الحكومة بغض النظر عن استحقاقات الاستجواب من عدمه.

السيناريو ذاته تقريبا يتكرر مع النواب المستجوبين ومؤيديهم في المجلس الحالي، تأجيل الاستجوابات من دون النظر الى مدى استحقاق صحيفة المساءلة السياسية، وربما كان هذا ما دفع بعض النواب الى تقديم تعديلات على اللائحة الداخلية بشكل لا يجيز تأجيل اي استجواب اكثر من ثلاثة اشهر.

النواب التأزيميون

"النواب التأزيميون"، كما وصفوا من قبل زملائهم النواب قرروا المضي في طريق الاستجوابات باعتباره الطريق الاقصر والاكثر تأثيرا لتحقيق "الهدف"، رغم تكرار عمليات التأجيل التي قد تأخذ مددا اطول من المرات السابقة، فكان إعلان النائب حسين القلاف مساءلة رئيس الوزراء في دور الانعقاد المقبل، وربما يتبعه نواب آخرون في طريق المساءلة لأعضاء آخرين في الحكومة، في ظل الاصرار على تفعيل اداة المساءلة السياسية.

لكن السؤال: هل تجد هذه الاستجوابات طريقها إلى التأييد في ظل هاجس الخوف من الحل المسيطر على الغالبية النيابية، إلى الآن الصورة ليست واضحة رغم ترجيح كفة النواب الداعمين للتعاون مع الحكومة واستمرارية بقاء المجلس، غير ان الأيام القادمة قد تنبئ بأمور قد تدفع في اتجاه مسارات غير متوقعة.