دبي: الخيال العلمي
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
صفة الجدية في الموسيقى لا تختلف عنها في الكتاب أو اللوحة أو المسرح والسينما. إنها تتطلب درجة من الوعي قد لا يتطلبها الكتاب، اللوحة، المسرح، السينما ذات الطبيعية الترفيهية. صفة الترفيه عادة ما تكون جماعية. في حين تتطلب صفة الجدية عزلة نسبية أو مطلقة. فأنت أمام العرض الأوبرالي أو السيمفوني عادة ما تكون في عزلة داخل نصف متر مربع، هو مساحة الكرسي الذي تحتله. لا يسمح الإصغاء بالحوار مع الجوار، أو الحركة وطقطقة المسبحة. الأمر الذي تجد نفسك فيه طليقة حين تحظى بحفلة لأم كلثوم أو يوسف عمر. ثم ان هذه الجدية في الموسيقى أو الفن عموماً تستدعي قلباً مفكراً إن صح التعبير، قدرةً على المتعة الروحية والعقلية التي تتجاوز متعة الحواس. فرواية لتوماس مان أو دستويفسكي، ورباعية وترية لبيتهوفن، وقصيدة لصلاح عبدالصبور، وفيلم لبيرغمان، ولوحة لبيكاسو... الخ لا يتقبلها مستوى من الوعي ألِف روايات إحسان عبدالقدوس، وأغاني شادية، وقصائد الشعر الشعبي... مع أن كلا «الجدي» و»الترفيهي» يتمتع بحرمة ومكانة خاصة في تاريخ الإبداع الإنساني.فلمَ إذن أضع هذه الموسيقى الجدية موضع تساؤل حين تتصل بالعرب؟الموسيقى الجدية عادة ما تخرج من رحم الدين. حدث هذا مع كنيسة الغرب ومعابد الشرق. لأن هذا الرحم يرى في الموسيقى الجدية وسيطاً روحياً ونبيلاً بين المخلوق وخالقه. ولكن المسجد الإسلامي لم يكن هذا الرحم. هل لأن الإسلام يُنكر أداءً تعبيرياً على هذا القدر من السمو والروحية؟ كنت أعتقد ذلك. ولكن الإسلام ذهب إلى بلدان الشرق: فارس، الهند، الصين وما تلاها. وحين اختلط بجذور موروثها القديم تفجرت ينابيع موسيقاها الجدية دون عارض. الأمر الذي جعلني أعتقد أن السبب كامن في العرب لا في الإسلام، لأن عربي الجزيرة تعرض لطبيعة صحراوية بالغة الجفاف والقسوة، شحذت حواسه الخمس فأيقظت حسّيته وحدها. في حين أهملت شحذ قوته العقلية والروحية التي تتمتع بما نسميه «البعد الميتافيزيقي» للوعي. والموسيقى الجدية أحوج ما تكون إلى هذا البعد. على أن هذا البعد تألق على المستوى النظري وحده في كتب العرب الفلسفية والتصوفية، حين اطلعوا على فلسفات الشرق.