تملأ السيناريوهات التي تحاكي ما سيصدر عن المجلس الدستوري في شأن الطعن بقانون التمديد لمجلس النواب، الصالونات السياسية ومطابخ القرار في لبنان. وعلى الرغم من كون كل هذه السيناريوهات مجرد تخمينات وتوقعات، فإن التداول فيها علنا يعكس واقع استحالة الفصل بين المعطيات السياسية التي تتحكم في موازين القوى والواقع اللبناني من جهة وبين الاعتبارات القانونية التي يفترض بها أن تكون العامل الوحيد المؤثر في قرار المجلس الدستوري من جهة مقابلة.

Ad

وفي جولة على عدد من هذه الصالونات رصدت «الجريدة» السيناريوهات التالية:

1 - القريبون من رئيس مجلس النواب نبيه بري يؤكدون أنه سيكون من شبه المستحيل على المجلس الدستوري تخطي عامل «الظروف القاهرة والاستثنائية» التي ارتكزت عليها الأسباب الموجبة للتمديد، وهي الأسباب ذاتها التي استند إليها المجلس لانتخاب الرئيس ميشال سليمان خلافا للمهل الدستورية. وبالتالي فإن هذه الأوساط تتوقع أن يرد المجلس الطعنين المقدمين من رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتكتل التغيير والإصلاح برئاسة النائب ميشال عون.  وتذهب بعض هذه الأوساط الى حد القول إن رئيس الجمهورية الذي يشكك بدستورية قانون التمديد الذي صوت عليه ثلاثة أرباع المجلس النيابي كان يفترض فيه ألا يقبل انتخابه قبل خمس سنوات خلافا للدستور الذي ينص على عدم جواز انتخاب من هم في الوظيفة الرسمية إلا بعد انقضاء سنتين على استقالتهم او تركهم للوظيفة. ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن المجلس الذي اعتبر أنه لا حاجة لتعديل الدستور يومها لأن الانتخاب تم بأكثرية كبيرة تفوق الثلثين وهو النصاب المطلوب لتعديل الدستور مما يعتبر تعديلا ضمنيا للدستور، بإمكانه أن يمدد ولايته على القاعدة نفسها التي سبق لرئيس الجمهورية ميشال سليمان ان قبل بها لتولي الرئاسة قبل خمس سنوات.

2 - القريبون من دائرة القرار في التيار الوطني الحر يعتبرون أن المجلس الدستوري سيأخذ بطعن التكتل وليس بطعن رئيس الجمهورية، لأن طعن الرئيس غير مكتمل المتطلبات القانونية شكلا. ويوضح هؤلاء وجهة نظرهم بالقول إن رئيس الجمهورية الذي وقع قانون التمديد لا يحق له الطعن به على أساس القاعدة القانونية التي تقول إن من وقع طوعا لا يحق له التراجع عن موافقته إلا في حال وجود عيب في التوقيع كالضغط والإكراه. اما التذرع بأنه لا يجوز الطعن إلا بقانون نافذ، والقانون النافذ يتطلب توقيع رئيس الجمهورية لنشره، فترى أوساط عون أنه غير صحيح وفقا لنصوص الدستور اللبناني الذي يسمح لرئيس الجمهورية بالتعبير عن رفضه لقانون ما برده الى مجلس النواب الذي له الحق بالتمسك به بالأكثرية المطلقة من عدد نواب المجلس وعندها يصبح نافذا حكما ولو لم يوافق عليه رئيس الجمهورية.

من هنا يقول حقوقيون في تكتل التغيير والإصلاح إن عدم اعتماد رئيس الجمهورية لمسار الرد وتوقيعه على القانون أفقده حقه في الطعن. ويتوقعون أن يأخذ المجلس الدستوري بالطعن المقدم من التكتل بإسقاط القانون فورا، وفي شكل كامل على أن تكون الحكومة ملزمة بالسير بالانتخابات وفقا للقانون النافذ حاليا وعلى قاعدة المضي قدما في الآلية التي سبق أن تم اجتياز معظم مراحلها وصولا الى اقفال باب الترشيح.

3 - بعض الأوساط السياسية المحايدة تتوقع أن يعمد المجلس الدستوري الى اعتماد مخرج يقضي بتقصير مهلة التمديد على نحو يضمن عدم الوقوع في الفراغ التشريعي. أما بالنسبة الى المهلة فترى هذه الأوساط أنها ربما تكون مطاطة ومرتبطة بمخرج يأخذ في الاعتبار تلافي المس بالاستقرار ولجوء المتضررين الى العامل الأمني لنسف الانتخابات كأمر واقع.

وتذكر هذه الأوساط بالمخرج الذي لجأ اليه المجلس الدستوري في التعاطي مع الطعن بنتيجة الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي على إثر وفاة النائب البير مخيبر. يومها أسقط المجلس الدستوري نيابة غبريال المر ومنافسته الاساسية ميرنا المر الذي كان الفارق بينهما بضع عشرات من الأصوات ليعلن فوز غسان مخيبر بنحو 1700 صوت بحجة ان الظروف التي كانت تمر بها البلاد لا تسمح بإجراء انتخابات جديدة حفاظا على الاستقرار.

4 - بعض المتشائمين في قوى 14 آذار يعتبرون أن امكان الطعن بالقانون قائم على قاعدة السيناريو المؤدي الى الفراغ الذي يسعى اليه «حزب الله» وبعض قوى 8 آذار. ويتخوف هؤلاء من أن يطعن المجلس الدستوري بقانون التمديد لمجلس النواب من دون ان تتمكن الحكومة من إجراء الانتخابات مما يوصل لبنان الى الفراغ الذي ينطلق منه «حزب الله» للمطالبة بمؤتمر تأسيسي ينتج نظاما سياسيا جديدا يتجاوز اتفاق الطائف.

5 - ومن بين «السيناريوهات» المتداولة أن يؤدي اختلاف الآراء والمقاربات داخل المجلس الدستوري الى «مخرج» يقضي برمي المجلس كرة النار خارج أسواره من خلال عدم القدرة على اتخاذ قرار بأكثرية سبعة أصوات، وهو ما من شأنه أن يعيد الكرة الى ملعب السياسيين وأن يجعل التمديد أمرا واقعا من دون ان يتحمل المجلس وزر قرار لا يملك امكانات تنفيذه ولا القدرة على تأمين الظروف السياسية والأمنية لتطبيقه.

وبمعزل عن هذه السيناريوهات فإن المراقبين يجمعون على أن لبنان مقبل على حالة من عدم الاستقرار السياسي تغذيه حالة من عدم الاستقرار الأمني التي سيستخدمها الفرقاء المتصارعون لتعزيز مواقعهم التفاوضية على السلطة. وسيستخدم المتصارعون هوامش المناورة التي يمتلكونها في لعبة عض الأصابع وسياسة شفير الهاوية. فهناك في التيار الوطني الحر من يؤكد أنه ماض حتى النهاية في معارضة التمديد والسعي الى اسقاطه، ولو من غير طريق المجلس الدستوري. ويطرحون لذلك سيناريو الاستقالة الجماعية لنحو عشرين من نواب التيار المسيحيين. فإن دعت الحكومة لانتخابات فرعية فهذا يعني أن من بإمكانه اجراء انتخابات فرعية بإمكانه اجراء انتخابات عامة. أما إذا لم تدعُ الحكومة إلى انتخابات فرعية لملء المراكز الشاغرة فإن المجلس النيابي سيفقد ميثاقيته من خلال فقدانه المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، مما يجعل كل قراراته وخطواته لا دستورية.