ازدحمت الصحف المحلية خلال الأيام القليلة الماضية بتصريحات نيابية ولشخصيات عامة تنتقد بشدة تردي حالة الخدمات الصحية في البلاد، وتكرار الأخطاء الطبية والإهمال التي أدت إلى حالات وفاة ومضاعفات صحية خطيرة لبعض المرضى في عدة مستشفيات، وهي حالة شبه دائمة في الكويت دون حلول جذرية ومعالجة شاملة لوقف التدهور المتواصل لهذا المرفق الأهم، والذي يتعامل مع صحة الإنسان الذي تدور كل مشاغل الحكومات الصالحة من أجل الحفاظ على حياته وتحسين مستوى معيشته وجودتها.

Ad

المشكلة الصحية في الكويت لها عدة أسباب، أهمها مدى توفر المرفق الصحي المناسب والكادر الطبي والتجهيزات والمعدات، بالإضافة الى العامل السلبي المتمثل في المنحى التجاري الذي اتخذته بشدة الوظائف الطبية في الآونة الأخيرة، وهي أمور جعلت الخدمات الصحية شديدة التكلفة حتى على أغنى دول العالم التي أصبحت شديدة التدقيق في اقتصار تقديم خدماتها الصحية على مواطنيها وبشكل حازم. وفي الكويت مازالت الدولة مترددة في حسم أمرها كبقية دول العالم في الإعلان بصراحة أنها ستقصر خدماتها الصحية على مواطنيها كما تفعل كل دول العالم، وتطلب بجدية أن يتكفل أصحاب العمل وغير الكويتيين بالتضامن بتحمل نفقات علاجهم وفق نظام تأمين صحي شامل، وهو أمر لا علاقة له بحقوق الإنسان كما روج له بعض الأجانب في وسائل صحافية يملكون القرار فيها بـ"مانشيتات" عن العنصرية ضد مسؤولي وزارة الصحة عندما طرحوا مقترح اقتصار الفترة الصباحية في المستشفيات على خدمة المواطنين فقط.

ونتيجة للحملة الصحافية تلك والزج ببعض جهات حقوق الإنسان تراجع وزير الصحة د. محمد الهيفي عن ذلك المقترح وأعلن وكيل الوزارة د. خالد السهلاوي أن المقترح لم يعد قائما ولن يناقش، وهنا لا أعرف سبب خوف وتراجع مسؤولي "الصحة" وعدم مواجهتهم للجميع بأن الخدمات الصحية أصبحت أمراً مكلفاً لا تستطيع الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا واليابان تحمل تكاليفه لجميع المقيمين والزائرين لأراضيها، فكيف لنا أن نفعل ذلك؟ حيث إن الكويت لا تستطيع أن تقدم تلك الخدمات بهذا الشكل بينما مواطنوها يعانون، وهي حقيقة، فلا يوجد اليوم بلد أوروبي يمنح تأشيرة دخول إليه أو إقامة طويلة بدون تقديم الطالب لها تأميناً صحياً غالباً لا يسمح لصاحبه إلا باستخدام المستشفيات الخاصة فقط دون الحكومية.

ولا أجد بأساً أن أكرر سرد تجربة شخصية لي عندما كنت في ضيافة وزارة الخارجية الأميركية ضمن دعوة رسمية منها عام 2005، عندما أصبت بعارض صحي شديد وكانت درجة حرارتي تناهز 40 درجة ورفض المستشفى في العاصمة واشنطن دخولي حتى وصول مندوبة الخارجية الأميركية التي أبرزت مستنداً بأنني تحت تأمين صحي مؤقت خلال فترة زيارتي، هذا فضلاً عن عشرات ملايين الأجانب والمقيمين في أميركا الذين لا يحظون بأي رعاية صحية.

الخلاصة أن الرعاية الصحية أصبحت أمراً باهظ التكاليف، وحان الوقت للدولة أن تعلن أنها معنية بتقديمها للمواطن الكويتي كأولوية، وللجميع في حالات الحوادث فقط، ويجب أن يخضع المقيمون والزوار الكرام لنظام صحي ضمن تأمين متكامل بمستشفياته وعياداته ومرافقه بما يتلاءم مع خدمات الدولة المجانية الأخرى، وعدم وجود نظام ضريبي على الدخل للأجانب في الكويت، وهو أمر لا علاقة له بحقوق الإنسان، بل هي تكاليف تمتنع أعرق دول الديمقراطيات وحقوق الإنسان في العالم عن تقديمها للأجانب والزوار بالمجان أو بمقابل رمزي كما نفعل نحن، وعند الفصل في هذه القضية الرئيسية وحينما تحسم الدولة أمرها تجاه مشاركة المقيمين للمواطنين في المرافق الصحية الحكومية، ويتم تخفيف الأعباء عن المرفق الصحي العام في البلاد يمكن وضع خطط الإصلاح والتطوير المطلوبة لأن الكويتيين يعانون بشدة ويفقدون أحياناً أرواحهم بسبب ما يحدث من تأخير المواعيد وأخطاء وإهمال في مستشفياتنا ومرافقنا الصحية المختلفة بسبب الضغط عليها واستنزافها.