شوقي شمعون صاحب باع في الفن التشكيلي المعاصر، ومعروف في العالم العربي والغرب بأفكاره التشكيلية والبصرية اللونية. بدأ بالرسوم الواقعية والتجارب الأكاديمية قبل أن يتطور إلى تقديم لوحات تجريدية ذات روحية خاصة، تنبع منها موسيقى لونية تسمعها العين ويخفق لها القلب، وهي تتسم ببعد جغرافي يحمل تغريدات الطبيعة ويحلو للزائر شعور بالارتماء في أحضان لونها وخيوطها.

Ad

منذ انطلاقته وانغماسه في التشكيل، كان شمعون مهجوساً بلوحات ضد الحرب سواء الحرب الأهلية أو الحرب الإسرائيلية الوحشية على لبنان. في إحدى المناسبات الثقافية، قال: «توقفت عن الرسم خلال الحرب لأنني لم أرد أبداً أن يعيش أحد ألمي»، كان الألم كبيراً ولا يمحوه سوى اللون النقي ونقاء الفكرة التي تكافح ضجيج الأسلحة، لم يرسم الحرب كثيراً، بقي على أطرافها، وفي إحدى المرات جسدها بلعب أطفال محطمة.

لا يرسم شمعون الحرب، لكنه يقدم لغة الطبيعة التي هي في الأساس ضد وحشية الحرب ولغتها. والراجح أن الفنان يقيس موقفه من خلال لغة الطبيعة وليس من خلال تصوير الإنسان الذي يبدو بلا ملامح في لوحاته، أو نراه صغيراً في أسفل اللوحة، وصغره يقاس بالطبيعة العملاقة التي تتجسد في بعض اللوحات.

 لغة شوقي شمعون اللونية تسرق الناظر إليها، تجعله يعيش في كنف اللوحة ويسترق النظر في كل ضربة فرشاة، في المسافات اللامتناهية، وهو كان في الخامسة من عمره حين شعر بالحاجة إلى أن يرسم على الصناديق الخشبية لعائلته، التي تستخدم لتخزين المواد الغذائية والثياب. وكان يحب أن يزينها بصور تشبه مريم العذراء. وكونه كان من قرية في البقاع شرق لبنان حيث الطبيعة تستمد زخمها، عشق التحول فيها ورسمها، لكن الحرب سببت له الألم.

في معرضه الجديد، تسيطر شمولية متقدمة لرؤيته في الطفولة والطبيعة والأشياء والبحيرات والحركة الأفقية واللونية. يرسم شمعون طبيعة عملاقة باقية في ذاكرة الإنسان، يقدم ألواناً صارخة وحالمة ضد الحرب عموماً والقصف الإسرائيلي الوحشي على لبنان عام 2006 خصوصاً، يلون ضد الحرب ويرسم نقاء الطبيعة، الأرض الخضراء والصحراء، والجبل المكلل بالثلوج والبحيرات العابقة بالأسرار والكائنات.

رسوم شمعون ثقافية بامتياز، فيها من الأحلام ما يكفي، ومن التعابير اللونية ما يزيد، نرى فيها الأشخاص بحجم صغير والمساحات الفضائية والصحراوية كبيرة بكبر الحلم. إنها لغة الطبيعة الزاهرة والباهرة ضد ما تخلفه لغة الحروب.

تعريف الأشياء

يحاول شوقي شمعون إعادة تعريف الأشياء الجميلة وتحسين القيم الجمالية. تحضر في لوحاته الصحراء برملها ومتاهتها وأبعادها وتصوفها. الصحراء ليست مجرد رمل في لوحة إنها أشبه بحلم الرجال، تولد جوهر الكمال في العين والنظر، يتحول التصحر جمالاً في ألوان شمعون، الرمل يصبح لغة شعرية لامرئية، يصعب على أحد فك ألغازها.

 ويحضر أرز لبنان وبقاعه وصنينه وثلجه، كأن الرسام بحاجة إلى الشعور بالوئام مع بيئته وماضيه وحاضره ومستقبله، فتراه يرسم ملعب طفولته والدنيا من حول بلدته، يطل على العالم من مساحاته اللونية، ربما لأنه بحاجة ألى رؤية بلد يتسم بالنقاء، رؤية ضد الحرب والبربرية وما تحمله من آثار وحشية على البيئة والناس.

لا تقدم ريشة شوقي شمعون نمطية واحدة من اللوحات، بل معرضاً بمعارض كثيرة وألون متنوعة ولغات متعددة، ولوحاته متحررة من المكان الواحد والطبيعة الواحدة، هي بين سفر رؤيوي في الداخل وسفر رؤيوي في الطبيعة والأشياء المحيطة بالإنسان. تارة، يضفي صمت المشهد في اللوحة عليها حيوية إيحائية تدل على أحلام الطفولة وألوانها، وطوراً نكون أمام لوحة بلون واحد، وأحياناً أمام لوحة مثقلة بالألوان إلى حد الاختناق.

ثمة أطياف لبعض الفنانين العالميين في لوحات شمعون، ولكنه من دون شك يقدم لنا من خلال أعماله ما يمكن وصفه بلوحات شاعرية اللون، تلك اللوحات التي يسكن الزائر تحت ظلال ألوانها أو في جنونها أو في طبيعتها المترامية الأطراف.

يُذكر أن دار «الساقي» أصدرت كتاباً فنياً يتحدث عن فن شوقي شمعون وسيرته الذاتية، لمناسبة معرضه في البيال. الكتاب في 320 صفحة، يوقّعه الفنان في الحركة الثقافية في انطلياس ابتداء من السادسة مساء 5 مارس الجاري.