شيركو بيكه س هو الصوت الأقوى في الشعر الكردي الحديث والمعاصر، فارضاً حضوره ومناخاته في الخارطة الشعرية الحديثة. اتسم أسلوبه بالليونة مع اهتمامه بالتراث الكردي الشعري والأسطوري وحتى العربي. تأثرت كتاباته بالسياسة والتاريخ والحكايات والملاحم الغنائية وابتكر نسقاً شعرياً خاصاً جمع بين الحكاية والتاريخ والحوار الدرامي والذاكرة الشعبية والغنائية، مؤكداً في إبداعاته على صفاء الشعر، ومستلهماً حياة الناس من حوله. يجد القصيدة أولاً ثم يكتب الشعر، وصار يُقرأ في أغلب اللغات العالمية، كتب عن الأنفال وعن مدينة حلبجة التي قصفها النظام البعثي بالمواد الكيماوية، كما كتب عن الحب والحرية والبشمركة وعن صديقه الشاعر محمود درويش.
تنوع إنتاج شيركو بيكه س الأدبي ما بين النصوص القصيرة جداً والطويلة والقصة الشعرية والمسرحية الشعرية، كذلك الرواية الشعرية، كتب واصفاً الشاعر بلغته الشعرية المميزة:الشاعر يشبه حصاناً أسود وحيداًعُرفه خصلة ناروصهيل مبلل بالانكساريجري في دوران دائمويعتبر شيركو بيكه س العربية لغته الثانية و{المصدر الأساس لمعلوماته»، عرف القارئ العربي شيركو بيكه س عن قرب منذ ديوان «مرايا صغيرة»، الذي ترجمه أدباء أكراد (1988)، مروراً بترجمة جلال زنكبادي لديوان «ساعات من قصب»، و{مضيق الفراشات» الذي ترجمه آزاد البرزنجي (1996)، ومن ثم ديوان «نغمة حجرية» الذي ترجمته مجموعة من الأدباء (1999)، وصولاً إلى ديوان «سفر الروائح» الذي ترجمه آزاد البرزنجي (2001)، و{كتاب القلادة» و{الكرسي» و{يره نكدان أو إناء الألوان». ولد وشيركو بيكه س في السليمانية، العراق في 2 مايو 1940، والده فائق بيكه س، أحد الشعراء الكرد المشهورين ومن مناصري حرية المرأة لتأثره بطروحات قاسم أمين وشعر معروف الرصافي والزهاوي. أما الوالدة، فهي في العقد الثامن من عمرها تعيش وأخته في الولايات المتحدة الأميركية، وكان لها دور في نمو موهبته الشعرية.غادر العراق أولاً إلى إيران ومن ثم إلى سورية ثم إيطاليا بدعوة من لجنة حقوق الإنسان في فلورنسا. بين 1987-1988 ولدى حصوله على جائزة توخولسكى الأدبية من السويد، سافر إلى هناك وطلب اللجوء السياسي، وفي نهاية 1990 سافر إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ 1988 اختيرت قصيدة له مع نبذة من حياته لتدريسها كمادة في كتاب انطولوجيا في كل من الولايات المتحدة وكندا للمرحلة الأولى من الدراسة المتوسطة.كما يقول الشاعر أخذني تصوير فيلم «كما قال الشاعر» إلى كردستان العراق لأصوّر مع الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكه س، وهناك اكتشفت أن محمود درويش خالد في ضمائر الشعب الكردي مع عتب دافئ. والسبب في ذلك العتب أن للشاعر قصيدة، لم أقرأها له اسمها «إلى كردستان»، وقد ترجمها الأكراد إلى لغتهم، وكانت مصدر حب واعتزاز بالشاعر من قبل شعب ظُلم كما ظلم الشعب الفلسطيني، إلا أن ديوانه الذي نشر وقتها في دمشق لم يتضمن القصيدة.في الطريق من السليمانية إلى أربيل لنأخذ الطائرة عائدين الى بيروت جوسلين ابي جبرايل مديرة التصوير في الفيلم وأنا، وكان يشيعنا رجلان كرديان من المؤسسة الثقافية التي يديرها كاكا شيركو، توقفنا في قرية صغيرة لنتناول الشاي وكان الوقت صباحاً والمطر لم يتوقف، دخلنا الى مقهى قروي بسيط.كانت القرية في وادٍ تحيطها جبالٌ شاهقة قاسية وساحرة، وكان يبدو على القرويين بثيابهم التقليدية الكردية بساطة محببة إلى النفس وفضول واضح بمجرد دخولنا الى المقهى، حيث لم يعانوا أي جهد لاكتشاف عدم انتمائنا إلى المكان.لم أُكمل كلامي الموجه إلى صاحب المقهى معلناً طلبي للشاي حتى سألني: من أين انت؟قلت: فلسطيني!فأنتفض الرجل من على كرسيه ماداً يده ليصافحني قائلاً:آه محمود درويش كتب قصيدةً اسمها إلى كردستان ولكن للأسف لم يتضمنها ديوانه الذي صدر في دمشق!هكذا بلا مقدمات.كان في صوته شيءٌ من العتاب الذي تلاشى وهو يتابع:لكنه كتب قصيدة «ليس للكردي إلا الريح» إلى صديقه سليم بركات!ضحك الرجل الكردي وقدم لنا الشاي ورفض أن ندفع الثمن لأننا ننتمي إلى شعب محمود درويش.كان ذلك في وسط اللامكان في قرية بعيدة في جبال كردستان.نصري حجاج
توابل - ثقافات
غياب شيركو بيكه س في السويد... شاعر الصفاء اللغوي
08-08-2013