ما من سبب يعلّل تدخل الولايات المتحدة في سورية

نشر في 23-05-2013
آخر تحديث 23-05-2013 | 00:01
من المستبعد أن يحقق مؤتمر سورية وحده النجاح، لكنه قد يتحول إلى بنية للمفاوضات المستقبلية التي ستصبح ضرورية حين يسأم الطرفان القتال، وإلى أن يتقبل كلا الطرفين أنهما عاجزان عن الفوز بالقوة، ستبقى كل المفاوضات عقيمة.
 أميركان كونسرفاتيف رغم تزايد الأصوات المطالبة بتدخل عسكري أميركي في الصراع السوري، من المستبعد أن تورط إدارة أوباما الولايات المتحدة في حرب جديدة في المنطقة... وهذا جيد بالتأكيد.

رغم ذلك، يرتبط أي احتمال متبقٍّ للتدخل في سورية بمدى هوس الكثير من الدبلوماسيين والسياسيين الأميركيين بمحاول توجيه الأحداث و"صياغتها" في الجانب الآخر من العالم، لكن يُفترض أن يكون الأميركيون قد تعلّموا من السنوات الاثنتي عشرة الماضية أن الأمم الأخرى لا ترغب في أن "نصوغها" و"نبنيها"، وأننا نخفق دوماً في إعادة تشكيل النظم السياسية في بلدان لا نفهمها جيداً.

لا ننفك نسمع من صقور سورية أن "هذه الدولة مختلفة كل الاختلاف عن العراق". فقد طرح بيل كيلر من صحيفة "نيويورك تايمز" هذه الفكرة الأسبوع الماضي. وتبدو هذه ملاحظة واضحةً وبسيطة، فما من بلدين أو صراعين متطابقين، ولا شك أن بعض الخصائص التي حوّلت حرب العراق إلى كارثة لا تنطبق على الوضع السوري، لكن التدخل العسكري في سورية سيواجه الكثير من العيوب نفسها التي عاناها خلال حرب العراق. كذلك سيصطدم بمجموعته الخاصة من التداعيات والعواقب غير المتوقَّعة، التي قد تكون على قدر ذاته من السوء كما حرب العراق، أو حتى أسوأ.

على غرار الحرب في العراق، ستكون حرب الولايات المتحدة في سورية غير شرعية وغير قانونية بموجب القانون الدولي. كذلك ستحظى واشنطن بعدد أقل من الحلفاء مما تمتعت به خلال حرب العراق. وكما في العراق، ستُهمَّش كلفة الحرب السورية ومدتها كي تبدو تدخلاً سريعاً وسهلاً وغير مكلف، ولكن بخلاف العراق، لن تتمكن الولايات المتحدة من الادعاء أنها تقدِم على هذه الخطوة للتخلص من خطر محتمل يهدد أمننا. على العكس، سيكون للتدخل الأميركي هدف واحد لا غير: الإطاحة بحكومة أخرى. وفي حين كانت حرب العراق محدودة بأغلبيتها بذلك البلد، سيجرنا التدخل الأميركي في سورية مباشرة إلى حرب بالوكالة مع رعاة الأسد، حرب لن تبقى محصورة داخل سورية. وأخيراً، سنشن حرباً على سورية ونحن لم ننسَ بعد كل الفظائع التي واجهناها في العراق، ما يجعل حماستنا للتدخل في سورية غريبة، وغير مبررة، ومنافية للمنطق.

صحيح أن الأسابيع الأخيرة شهدت فيضاً من المقالات التحليلية والافتتاحيات التي أعلنت أن "مصداقية" الولايات المتحدة على المحك بسبب ملاحظات الرئيس غير المدروسة عن "الخط الأحمر" واستخدام الأسلحة الكيماوية، لكن الأدلة على هذا الاستخدام مبهمة وغير حاسمة في أفضل الأحوال. علاوة على ذلك، لن تصبح مصالح الولايات المتحدة في أنحاء أخرى من العالم مهددةً إن رفضنا خوض حرب جديدة في سورية. ومن المستبعد أن تسير الولايات المتحدة إلى الحرب بسبب "مصداقيتها" غير المهدّدة حتى. إذن، فقد تحوّلت الأدلة الواهية على استخدام أسلحة غير تقليدية في سورية إلى عذر يستغله الصقور الذين يريدون إقحام الولايات المتحدة في سورية بطريقة أو بأخرى. لكن التذرّع بتهديد غامض للإقدام على عمل عسكري غير ضروري في سورية سيُظهر للعالم أن الولايات المتحدة غير قادرة على البقاء بعيدةً عن الصراعات الخارجية.

لا شك أن اعتماد آلية معينة للتوصل إلى حل للصراع من خلال المفاوضات فكرة جيدة، ولكن لم يعرب أي من الأطراف المتحاربة في سورية حتى اليوم عن استعداده للقبول بتسوية قد تؤدي إلى وقف لإطلاق النار. ويقترح المناهضون للعمل العسكري أحياناً السعي لكسب تعاون روسيا، ما قد يساهم في إنهاء الحرب. لكنهم بذلك يغالون في تقييم تأثير روسيا في الحكومة السورية وقدرة الدبلوماسيين الغربيين على إقناع موسكو بضرورة تبديل موقفها. رغم ذلك، لا تزال الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقق هذا الهدف، وفي هذا الإطار، تتحدث التقارير عن مؤتمر سلام سوري ترعاه الولايات المتحدة وروسيا سيُعقد في شهر يونيو في محاولة لحمل الأطراف المتنازعة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

من المستبعد أن يحقق هذا المؤتمر وحده النجاح، لكنه قد يتحول إلى بنية للمفاوضات المستقبلية التي ستصبح ضرورية حين يسأم الطرفان القتال، وإلى أن يتقبل كلا الطرفين أنهما عاجزان عن الفوز بالقوة، ستبقى كل المفاوضات عقيمة. في هذه الأثناء، على الولايات المتحدة أن تقاوم رغبتها في التورط عميقاً في صراع لا يؤثر في المصالح الأميركية، خصوصاً أن التدخل سيجعل هذا الصراع على الأرجح أكثر دموية وزعزعةً للاستقرار مما هو عليه اليوم.

دانيال لاريسن - Daniel Larison

back to top