من الممكن اليوم تشبيه حال المعارضة السياسية في البلد بقافلة تائهة تسير وسط الصحراء بلا بوصلة ولا هدف واضح، حيث إن حالة التوهان هي النتيجة المنطقية التي لا مفر من الوصول إليها في نهاية المطاف عندما تغيب الفكرة ويحل منطق "الصراع من أجل البقاء" محل المشروع والرؤية التي تحتاجها أي معارضة حقيقية لإقناع المجتمع بقدرتها على مجابهة الأداء الحكومي المترهل الذي يقر بوجوده وينتقده الجميع.

Ad

فالمعارضة الحالية، أو أغلبية مجلس ٢٠١٢ المبطل، عندما كانت ممثَلة داخل البرلمان لم تمتلك القدرة على العمل وفق برنامج واضح الملامح؛ لأنها كانت أشبه بخليط غير متجانس من الأفكار والانفعالات، أو لوحة "سريالية" ذات مكونات متباعدة وأهداف غير منسجمة جمعت شتاتها حسبة انتخابية بحتة، وسرعان ما فككتها حرارة الكرسي البرلماني والمصالح الآنية والركض وراء صفة "الرمز".

هذا وقد تفننت تلك الأغلبية المبطلة في ممارسة الإقصاء وإلغاء الطرف الآخر، وإقرار قوانين تكميم الأفواه كإعدام المسيء وغير ذلك من ممارسات هزت ثقة الكثيرين بالديمقراطية، ووضعت "ڤيتو" على مجرد التفكير في مدى جاهزية المجتمع لأي تطور ديمقراطي يقر معظم المراقبين بأنه ضرورة لا ترف.

وقد استمر نفس الخطاب ونفس النهج، كما استمرت اللغة المتدنية لدى بعض الواجهات السياسية للمعارضة حتى بعد بطلان المجلس. وانتقلت موجة الإقصاء والتفتيت واتهامات العمالة الخارجية وإلغاء الأطراف الأخرى من تحت قبة عبدالله السالم إلى الدواوين والندوات، الأمر الذي شكل عبئاً كبيراً على المجاميع الشبابية المعارضة التي أُجبرت على استهلاك معظم الوقت في التبرير والترقيع لأقوال وأفعال واجهاتها السياسية عوضاً عن الترويج لمشاريعها ورؤاها، التي هي أكثر نضجاً وأعمق مما تمتلكه قيادات المعارضة، وأسهل قبولاً لدى المجتمع.

فاليوم يمكننا القول إن المعارضة بتصرفاتها اللامسؤولة وتركتها الكبيرة أصبحت كالقطة التي تأكل صغارها؛ ولذلك على الشباب المعارضين للنهج الحكومي إدراك تلك الحقيقة والعمل بأسرع وقت على الخروج من جلباب تلك المعارضة، ولملمة أفكارهم والخروج إلى المجتمع بثوب ناصع ورؤية إصلاحية حقيقية، وهم قادرون على ذلك دون الحاجة إلى مباركة تلك الرموز التي أنهكتهم، وأرادت تجيبر مجهودهم باتجاه مصالحها هي.